وَقَاسَمَهَا بِاللَّهِ جَهْدًا لَأَنْتُمُ ... أَلَذُّ مِنَ السَّلْوَى إِذَا مَا أَشُورُهَا (?)
قَالَ: فَظَنَّ أَنَّ السَّلْوَى عَسَلًا، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: دَعْوَى الْإِجْمَاعِ لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْمُؤَرِّجَ (?) أَحَدَ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ وَالتَّفْسِيرِ قَالَ إِنَّهُ الْعَسَلُ، وَاسْتَدَلَّ بِبَيْتِ الْهُذَلِيِّ هَذَا، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي لُغَةِ كِنَانَةَ لِأَنَّهُ يُسَلَّى بِهِ وَمِنْهُ عَيْنُ سُلْوَانَ (?) ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: السَّلْوَى: الْعَسَلُ، وَاسْتَشْهَدَ بِبَيْتِ الْهُذَلِيِّ أَيْضًا، وَالسُّلْوَانَةُ بِالضَّمِّ خَرَزَةٌ كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا صُبَّ عَلَيْهَا مَاءُ المطر فشربها العاشق سلا، قال الشاعر: [الطويل]
شَرِبْتُ عَلَى سُلْوَانَةٍ مَاءَ مُزْنَةٍ ... فَلَا وَجَدِيدِ الْعَيْشِ يَا ميُّ مَا أَسْلُو (?)
وَاسْمُ ذَلِكَ الْمَاءِ السُّلْوَانُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: السُّلْوَانُ دَوَاءٌ يَشْفِي (?) الحزين فيسلوا وَالْأَطِبَّاءُ يُسَمُّونَهُ (مُفَرِّجٌ) . قَالُوا: وَالسَّلْوَى جَمْعٌ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ أَيْضًا كَمَا يُقَالُ: سُمَانَى لِلْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ وَوَيْلَى كَذَلِكَ (?) ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: وَاحِدُهُ سَلْوَاةٌ، وَأَنْشَدَ: [الطويل]
وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ ... كَمَا انْتَفَضَ السَّلْوَاةُ مِنْ بَلَلِ الْقَطْرِ (?)
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: السَّلْوَى وَاحِدَةٌ وَجَمْعُهُ سَلَاوِي، نَقَلَهُ كُلَّهُ الْقُرْطُبِيُّ (?) . وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ أَمْرُ إِبَاحَةٍ وإرشاد وامتنان، وقوله تعالى: وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ أَيْ أَمَرْنَاهُمْ بِالْأَكْلِ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ وَأَنْ يَعْبُدُوا كَمَا قَالَ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ فَخَالَفُوا وَكَفَرُوا فَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ هَذَا مَعَ مَا شَاهَدُوهُ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْقَاطِعَاتِ، وَخَوَارِقِ الْعَادَاتِ، وَمِنْ هَاهُنَا تَتَبَيَّنُ فَضِيلَةُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى سَائِرِ أَصْحَابِ الْأَنْبِيَاءِ فِي صَبْرِهِمْ وثباتهم وعدم تعنتهم مع ما كَانُوا مَعَهُ فِي أَسْفَارِهِ وَغَزَوَاتِهِ مِنْهَا عَامُ تَبُوكَ فِي ذَلِكَ الْقَيْظِ وَالْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْجَهْدِ لَمْ يَسْأَلُوا خَرْقَ عَادَةٍ وَلَا إِيجَادَ أَمْرٍ مع أن ذلك