الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ» «1» وَقَوْلُهُ: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ كقوله تَعَالَى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران: 104] الآية.
وقوله: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ يُطِيعُونَ اللَّهَ وَيُحْسِنُونَ إِلَى خَلْقِهِ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَيْ فِيمَا أَمَرَ وَتَرْكِ مَا عَنْهُ زَجَرَ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ أَيْ سَيَرْحَمُ اللَّهُ مَنِ اتَّصَفَ بهذه الصفات إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ أي عز من أطاعه فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ حَكِيمٌ فِي قِسْمَتِهِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لِهَؤُلَاءِ وَتَخْصِيصِهِ الْمُنَافِقِينَ بِصِفَاتِهِمُ المتقدمة، فإنه لَهُ الْحِكْمَةَ فِي جَمِيعِ مَا يَفْعَلُهُ تَبَارَكَ وتعالى.
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
يُخْبِرُ تَعَالَى بِمَا أَعَدَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَالْمُؤْمِنَاتِ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ فِي جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَيْ مَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدًا وَمَساكِنَ طَيِّبَةً أَيْ حَسَنَةَ الْبِنَاءِ طَيِّبَةَ الْقَرَارِ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» «2» وَبِهِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا فِي السَّمَاءِ! لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ لا يرى بعضهم بعضا» «3» أخرجاه في الصحيحين.
وفيهما أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ هَاجَرَ في سبيل الله أو حبس فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُخْبِرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ» «4» وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاذِ بن جبل