وَكَذَلِكَ ابْنُ السَّبِيلِ وَهُوَ الْمُسَافِرُ الْمُجْتَازُ فِي بَلَدٍ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى سَفَرِهِ، فَيُعْطَى مِنَ الصَّدَقَاتِ مَا يَكْفِيهِ إِلَى بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ أَرَادَ إِنْشَاءَ سَفَرٍ مِنْ بَلَدِهِ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ، فَيُعْطَى مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ كِفَايَتَهُ فِي ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْآيَةُ وَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ: الْعَامِلِ عَلَيْهَا أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ غَارِمٍ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ مِسْكِينٍ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَهْدَى لِغَنِيٍّ» «1» وَقَدْ رَوَاهُ السُّفْيَانَانِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا، وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ أَوْ جَارٍ فَقِيرٍ فَيُهْدِي لَكَ أَوْ يَدْعُوكَ» «2» وَقَوْلُهُ: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ أَيْ حُكْمًا مُقَدَّرًا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ وَفَرْضِهِ وَقَسْمِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أَيْ عَلِيمٌ بِظَوَاهِرِ الأمور وبواطنها وبمصالح عباده حَكِيمٌ فيما يقوله ويفعله وَيَشْرَعُهُ وَيَحْكُمُ بِهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (61)
يَقُولُ تَعَالَى وَمِنَ الْمُنَافِقِينَ قَوْمٌ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَلَامِ فِيهِ، وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ أَيْ مَنْ قَالَ لَهُ شَيْئًا صَدَّقَهُ فينا ومن حدثه صدقه، فإذا جئناه وَحَلَفْنَا لَهُ صَدَّقَنَا. رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وقَتَادَةَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ أَيْ هُوَ أُذُنُ خَيْرٍ يَعْرِفُ الصَّادِقَ مِنَ الْكَاذِبِ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَيْ وَيُصَدِّقُ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ أَيْ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ وَلِهَذَا قَالَ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)
قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ الْآيَةَ. قَالَ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَخِيَارُنَا وَأَشْرَافُنَا وَإِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا، لَهُمْ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ. قَالَ: فَسَمِعَهَا رجل من المسلمين فقال: والله مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ لَحَقٌّ وَلَأَنْتَ أَشَرُّ مِنَ الْحِمَارِ، قَالَ: فَسَعَى بِهَا الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى الرَّجُلِ فَدَعَاهُ فَقَالَ «مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي قُلْتَ؟» فَجَعَلَ يَلْتَعِنُ وَيَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا قَالَ ذَلِكَ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَدِّقِ الصادق وكذب الكاذب، فأنزل الله الآية «3» . وقوله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ