لِعِبَادِهِ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا مِنَ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَقَدْ قِيلَ: كَانَتْ شَجَرَةَ الْبُرِّ وَقِيلَ كَانَتْ شَجَرَةَ الْعِنَبِ وَقِيلَ كَانَتْ شَجَرَةَ التِّينِ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً مِنْهَا، وذلك علم إذا علم لم يَنْفَعُ الْعَالِمَ بِهِ عِلْمُهُ، وَإِنْ جَهِلَهُ جَاهِلٌ لَمْ يَضُرَّهُ جَهْلُهُ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَلِكَ رجح الإبهام الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ عَنْهَا عَائِدًا إِلَى الْجَنَّةِ فيكون معنى الكلام كما قرأ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ وَهُوَ ابْنُ أَبِي النَّجُودِ: فأزالهما أي فنحاهما وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورِينَ وَهُوَ الشَّجَرَةُ فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ كَمَا قَالَ الحسن وقتادة:
فأزلهما أي من قبل الزَّلَلِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها أَيْ بِسَبَبِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذَّارِيَاتِ: 9] أَيْ يُصْرَفُ بِسَبَبِهِ مَنْ هُوَ مَأْفُوكٌ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كَانَا فِيهِ أَيْ مِنَ اللِّبَاسِ وَالْمَنْزِلِ الرَّحْبِ وَالرِّزْقِ الْهَنِيءِ وَالرَّاحَةِ.
وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ أَيْ قَرَارٌ وَأَرْزَاقٌ وَآجَالٌ- إلى حين- أي إلى وقت وَمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ تَقُومُ الْقِيَامَةُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ مِنَ السَّلَفِ كَالسُّدِّيِّ بِأَسَانِيدِهِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَغَيْرِهِمْ هَاهُنَا أَخْبَارًا إِسْرَائِيلِيَّةً عَنْ قِصَّةِ الْحَيَّةِ وَإِبْلِيسَ، وَكَيْفَ جَرَى مِنْ دُخُولِ إِبْلِيسَ إِلَى الْجَنَّةِ وَوَسْوَسَتِهِ، وَسَنَبْسُطُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ فَهُنَاكَ الْقِصَّةُ أَبْسَطُ مِنْهَا هَاهُنَا، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ إِشْكَابَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ رَجُلًا طِوَالًا كَثِيرَ شَعْرِ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ (?) فَلَمَّا ذَاقَ الشَّجَرَةَ سَقَطَ عَنْهُ لِبَاسُهُ، فَأَوَّلُ مَا بَدَا مِنْهُ عَوْرَتُهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى عَوْرَتِهِ جَعَلَ يَشْتَدُّ فِي الْجَنَّةِ فَأَخَذَتْ شَعْرَهُ شَجَرَةٌ فَنَازَعَهَا فَنَادَاهُ الرَّحْمَنُ: يَا آدَمُ مِنِّي تَفِرُّ» فَلَمَّا سَمِعَ كَلَامَ الرَّحْمَنِ قَالَ: يَا رَبِّ لَا، وَلَكِنِ اسْتِحْيَاءً. قَالَ: وَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ أحمد بن الحكم القرشي سنة أربع وخمسين ومائتين، حدثنا سليمان بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا ذَاقَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ فَرَّ هَارِبًا فَتَعَلَّقَتْ شَجَرَةٌ بِشَعْرِهِ فَنُودِيَ: يَا آدَمُ أَفِرَارًا مِنِّي؟ قَالَ: بَلْ حَيَاءً مِنْكَ، قَالَ: يَا آدَمُ اخْرُجْ مِنْ جِوَارِي فَبِعِزَّتِي لَا يُسَاكِنُنِي فِيهَا مَنْ عَصَانِي، وَلَوْ خَلَقْتُ مِثْلَكَ مِلْءَ الْأَرْضِ خَلْقًا ثُمَّ عَصَوْنِي لَأَسْكَنْتُهُمْ دَارَ الْعَاصِينَ» (?) هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ بَلْ إِعْضَالٌ (?) بَيْنَ قَتَادَةَ وَأُبَيِّ بْنِ كعب رضي الله