الْبِطَاقَةُ» «1» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا وَصَحَّحَهُ.
وَقِيلَ يُوزَنُ صَاحِبُ الْعَمَلِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالرَّجُلِ السَّمِينِ فَلَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ» «2» ثُمَّ قَرَأَ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً، وَفِي مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «أَتَعْجَبُونَ مِنْ دقة ساقيه والذي نفسي بيده لهم فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ» «3» وَقَدْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآثَارِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ صَحِيحًا، فَتَارَةً تُوزَنُ الْأَعْمَالُ وَتَارَةً تُوزَنُ محالها وتارة يوزن فاعلها، والله أعلم.
وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (10)
يَقُولُ تَعَالَى: مُمْتَنًّا عَلَى عَبِيدِهِ فِيمَا مَكَّنَ لَهُمْ، مِنْ أَنَّهُ جعل الأرض قرارا وجعل فيها رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا، وَجَعَلَ لَهُمْ فِيهَا مَنَازِلَ وَبُيُوتًا وأباح لهم مَنَافِعَهَا، وَسَخَّرَ لَهُمُ السَّحَابَ لِإِخْرَاجِ أَرْزَاقِهِمْ مِنْهَا، وَجَعَلَ لَهُمْ فِيهَا مَعَايِشَ أَيْ مَكَاسِبَ وَأَسْبَابًا يكسبون بها ويتجرون فِيهَا وَيَتَسَبَّبُونَ أَنْوَاعَ الْأَسْبَابِ وَأَكْثَرُهُمْ مَعَ هَذَا قليل الشكر على ذلك كقوله وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إِبْرَاهِيمَ: 34] .
وَقَدْ قَرَأَ الْجَمِيعُ مَعَايِشَ بِلَا هَمْزٍ إِلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الْأَعْرَجَ فَإِنَّهُ هَمَزَهَا «4» وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ بِلَا هَمْزٍ، لِأَنَّ مَعَايِشَ جَمْعُ مَعِيشَةٍ مِنْ عَاشَ يَعِيشُ عَيْشًا وَمَعِيشَةٌ أَصْلُهَا مَعْيِشَةٌ، فَاسْتُثْقِلَتِ الْكَسْرَةُ عَلَى الْيَاءِ فَنُقِلَتْ إِلَى الْعَيْنِ فَصَارَتْ مَعِيشَةً، فَلَمَّا جُمِعَتْ رَجَعَتِ الْحَرَكَةُ إِلَى الْيَاءِ لِزَوَالِ الِاسْتِثْقَالِ فَقِيلَ مَعَايِشُ وَوَزْنُهُ مَفَاعِلُ، لِأَنَّ الْيَاءَ أَصْلِيَّةٌ فِي الْكَلِمَةِ بِخِلَافِ مَدَائِنَ وَصَحَائِفَ وَبَصَائِرَ، جَمْعِ مَدِينَةٍ وَصَحِيفَةٍ وَبَصِيرَةٍ مِنْ مَدَنَ وَصَحَفَ وَأَبْصَرَ، فَإِنَّ الْيَاءَ فِيهَا زَائِدَةٌ، وَلِهَذَا تُجْمَعُ عَلَى فعائل وتهمز لذلك، والله أعلم.
[سورة الأعراف (7) : آية 11]
وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)
يُنَبِّهُ تَعَالَى بَنِي آدَمَ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى شَرَفِ أَبِيهِمْ آدَمَ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ عَدَاوَةَ عَدُوِّهِمْ إِبْلِيسَ، وَمَا هُوَ مُنْطَوٍ عَلَيْهِ مِنَ الْحَسَدِ لَهُمْ وَلِأَبِيهِمْ آدَمَ لِيَحْذَرُوهُ وَلَا يَتَّبِعُوا طَرَائِقَهُ، فَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا وهذا كقوله تعالى: