أَيْ كَاللَّيْلِ الْمُدْلَهِمِّ سَوْدَاءَ مُحْتَرِقَةً فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ أَيْ قُوَّةٍ وَجَلَدٍ وَهِمَّةٍ قادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ [ن: 17- 33] .
وقوله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ قِيلَ معناه لا تُسْرِفُوا فِي الْإِعْطَاءِ فَتُعْطُوا فَوْقَ الْمَعْرُوفِ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانُوا يُعْطُونَ يَوْمَ الْحَصَادِ شَيْئًا ثُمَّ تَبَارَوْا فِيهِ وَأَسْرَفُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تُسْرِفُوا وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بن قيس بن شماس، جد نخلا له فَقَالَ: لَا يَأْتِينِي الْيَوْمَ أَحَدٌ إِلَّا أَطْعَمْتُهُ فَأَطْعَمَ حَتَّى أَمْسَى وَلَيْسَتْ لَهُ ثَمَرَةٌ، فَأَنْزَلَ الله تعالى:
وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ (?) عَنْهُ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عطاء: نهوا عَنِ السَّرَفِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَقَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: مَا جَاوَزْتَ بِهِ أَمْرَ اللَّهِ فَهُوَ سَرَفٌ، وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ وَلا تُسْرِفُوا قَالَ: لَا تُعْطُوا أَمْوَالَكُمْ فَتَقْعُدُوا فُقَرَاءَ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ وَلا تُسْرِفُوا قَالَ: لَا تَمْنَعُوا الصدقة فتعصوا ربكم، ثُمَّ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ (?) قَوْلَ عَطَاءٍ، إِنَّهُ نَهْيٌ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ صَحِيحٌ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا أن يكون عائدا على الأكل، أي لا تُسْرِفُوا فِي الْأَكْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَضَرَّةِ العقل والبدن، كقوله تعالى: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف: 31] الآية.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وتصدّقوا من غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ» (?) وَهَذَا مِنْ هَذَا، والله أعلم.
وقوله عز وجل وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً أَيْ وَأَنْشَأَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ مَا هُوَ حَمُولَةٌ وَمَا هُوَ فَرْشٌ، قِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَمُولَةِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْفَرْشُ الصِّغَارُ مِنْهَا، كَمَا قَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: حَمُولَةً مَا حمل عليه من الإبل وفرشا الصِّغَارُ مِنَ الْإِبِلِ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَمُولَةُ هي الكبار والفرش الصِّغَارُ مِنَ الْإِبِلِ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً أما الحمولة فالإبل والخيل