أَبَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَقُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ الْآيَةَ، فَقَالَ لِي: لَا أُمَّ لَكَ، ذَلِكَ نُورُهُ، الَّذِي هُوَ نُورُهُ، إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ لَا يُدْرِكُهُ شَيْءٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ، قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

وَفِي مَعْنَى هَذَا الْأَثَرِ، مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه مرفوعا «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يُخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عمل النهار قبل الليل، وعمل الليل قبل النَّهَارِ، حِجَابُهُ النُّورُ- أَوِ النَّارُ- لَوْ كَشَفَهُ، لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» «1» .

وَفِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِمُوسَى لَمَّا سَأَلَ الرُّؤْيَةَ: يَا مُوسَى إِنَّهُ لَا يَرَانِي حَيٌّ إِلَّا مَاتَ، وَلَا يَابِسٌ إِلَّا تَدَهْدَهَ، أَيْ تَدَعْثَرَ، وَقَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ وَنَفْيُ هَذَا الْأَثَرِ الْإِدْرَاكَ الْخَاصَّ لَا يَنْفِي الرُّؤْيَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَجَلَّى لِعِبَادِهِ. الْمُؤْمِنِينَ كَمَا يَشَاءُ، فَأَمَّا جَلَالُهُ وَعَظَمَتُهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ، فَلَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ.

وَلِهَذَا كَانَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، تُثْبِتُ الرُّؤْيَةَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَتَنْفِيهَا فِي الدُّنْيَا، وَتَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ فَالَّذِي نَفَتْهُ الْإِدْرَاكَ، الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى رُؤْيَةِ الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ، عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلْبَشَرِ، وَلَا لِلْمَلَائِكَةِ، وَلَا لِشَيْءٍ.

وَقَوْلُهُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ أَيْ يُحِيطُ بِهَا وَيَعْلَمُهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ خَلَقَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الْمُلْكِ: 14] وَقَدْ يَكُونُ عَبَّرَ بِالْأَبْصَارِ عَنِ الْمُبْصِرِينَ، كَمَا قَالَ السُّدِّيُّ: فِي قَوْلِهِ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ لَا يَرَاهُ شَيْءٌ، وَهُوَ يَرَى الْخَلَائِقَ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ في قوله تعالى وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ قال اللطيف لاستخراجها، الْخَبِيرُ بِمَكَانِهَا «2» ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ لُقْمَانَ، فِيمَا وَعَظَ بِهِ ابْنَهُ يَا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان: 16] .

[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 105]

قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)

الْبَصَائِرُ هِيَ الْبَيِّنَاتُ وَالْحُجَجُ الَّتِي اشتمل عليها القرآن، وما جاء بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015