الْأَرْشَ (?) فَأَبَوْا، فَطَلَبُوا الْأَرْشَ وَالْعَفْوَ فَأَبَوْا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُمْ بِالْقِصَاصِ، فَجَاءَ أَخُوهَا أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ فَقَالَ: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أَتَكْسِرُ ثَنِيَّةَ الرَّبِيعِ؟ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تَكْسِرْ ثَنِيَّتَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» فَعَفَا الْقَوْمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لِأَبَرَّهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الأنصاري بنحوه.
وروى أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ غُلَامًا لِأُنَاسٍ فُقَرَاءَ، قَطَعَ أُذُنَ غُلَامٍ لِأُنَاسٍ أَغْنِيَاءَ، فَأَتَى أَهْلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا أُنَاسٌ فُقَرَاءُ، فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ شَيْئًا.
وَكَذَا رواه النسائي عن إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ بِهِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ قَوِيٌّ، رجاله كلهم ثقات، وهو حَدِيثٌ مُشْكِلٌ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنِ الْجَانِيَ كَانَ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ تَحَمَّلَ أَرْشَ مَا نَقَصَ مِنْ غُلَامِ الْأَغْنِيَاءِ عَنِ الْفُقَرَاءِ أَوِ اسْتَعْفَاهُمْ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تُقْتَلُ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَتُفْقَأُ الْعَيْنُ بِالْعَيْنِ، وَيُقْطَعُ الْأَنْفُ بِالْأَنْفِ، وَتُنْزَعُ السِّنُّ بِالسِّنِّ، وَتُقْتَصُّ الْجِرَاحُ بِالْجِرَاحِ، فَهَذَا يستوي فيه أحرار المسلمين فِيمَا بَيْنَهُمْ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ، إِذَا كَانَ عَمْدًا فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ (?) وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
الْجِرَاحُ تَارَةً تَكُونُ فِي مَفْصِلٍ، فَيَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ بِالْإِجْمَاعِ، كَقَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْكَفِّ وَالْقَدَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنِ الْجِرَاحُ فِي مَفْصِلٍ بَلْ فِي عَظْمٍ، فَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيهِ الْقِصَاصُ إِلَّا فِي الْفَخِذِ وَشَبَهِهَا، لِأَنَّهُ مُخَوِّفٌ خَطِرٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ: لا يجب القصاص في شيء من العظام إِلَّا فِي السِّنِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُبِ الْقِصَاصُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعِظَامِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ يَقُولُ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِي وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَدِ احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِحَدِيثِ الرَّبِيعِ بِنْتِ النَّضْرِ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إِلَّا فِي السِّنِّ، وَحَدِيثُ الرَّبِيعِ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ وَرَدَ بِلَفْظِ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ سَقَطَتْ مِنْ غَيْرِ كسر، فيجب القصاص والحالة