الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى صَرْفِهِ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ مَا يَشاءُ أَيْ جَمِيعُ الْمَوْجُودَاتِ مِلْكُهُ وَخَلْقُهُ، وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ، لَا يسأل عما يفعل بقدرته وَسُلْطَانِهِ وَعَدْلِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَهَذَا رَدٌّ عَلَى النَّصَارَى عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى رَادًّا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي كَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ أَيْ نَحْنُ مُنْتَسِبُونَ إِلَى أَنْبِيَائِهِ وَهُمْ بَنُوهُ، وَلَهُ بِهِمْ عِنَايَةٌ، وَهُوَ يُحِبُّنَا، وَنَقَلُوا عَنْ كِتَابِهِمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِعَبْدِهِ إِسْرَائِيلَ: أَنْتَ ابْنِي بِكْرِي، فَحَمَلُوا هَذَا عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ وَحَرَّفُوهُ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ عُقَلَائِهِمْ وَقَالُوا: هَذَا يُطْلَقُ عِنْدَهُمْ عَلَى التَّشْرِيفِ وَالْإِكْرَامِ، كَمَا نَقَلَ النَّصَارَى عَنْ كِتَابِهِمْ أَنْ عِيسَى قَالَ لَهُمْ: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ، يَعْنِي رَبِّي وَرَبِّكِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَدَّعُوا لأنفسهم من النبوة مَا ادَّعَوْهَا فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنَّمَا أرادوا من ذلك مَعَزَّتَهُمْ لَدَيْهِ وَحُظْوَتَهُمْ عِنْدَهُ، وَلِهَذَا قَالُوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى رَادًّا عَلَيْهِمْ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ أَيْ لَوْ كُنْتُمْ كَمَا تَدَّعُونَ أَبْنَاءَهُ وَأَحِبَّاءَهُ، فَلِمَ أَعَدَّ لَكُمْ نَارَ جَهَنَّمَ عَلَى كُفْرِكُمْ وَكَذِبِكُمْ وَافْتِرَائِكُمْ؟

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ الصُّوفِيَّةِ لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ: أَيْنَ تَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ الْحَبِيبَ لَا يعذب حبيبه، فلم يرد عليه، فتلا عليه الصُّوفِيُّ هَذِهِ الْآيَةَ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ فِي الْمُسْنَدِ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ (?) حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَصَبِيٍّ فِي الطَّرِيقِ، فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّهُ الْقَوْمَ خَشِيَتْ عَلَى وَلَدِهَا أَنْ يُوطَأَ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَتَقُولُ: ابْنَيِ ابْنِي، وَسَعَتْ فَأَخَذَتْهُ فَقَالَ الْقَوْمُ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَتْ هَذِهِ لتلقي ولدها في النار. قال: فحفظهم النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «لَا وَاللَّهِ مَا يُلْقِي حَبِيبَهُ فِي النَّارِ» تَفَرَّدَ به أحمد.

بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ أَيْ لَكُمْ أسوة أمثالكم من بني آدم، وهو سبحانه الْحَاكِمُ فِي جَمِيعِ عِبَادِهِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ أَيْ هُوَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما أَيِ الْجَمِيعُ مِلْكُهُ وَتَحْتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ أَيِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ إِلَيْهِ، فَيَحْكُمُ فِي عِبَادِهِ بِمَا يَشَاءُ، وَهُوَ الْعَادِلُ الَّذِي لَا يَجُورُ.

وروى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ (?) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعمان بن آصا (?) وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو وَشَاسُ بْنُ عَدِيٍّ فَكَلَّمُوهُ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015