وَهَذَا الْحَدِيثُ أَقَلُّ أَقْسَامِهِ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا مِنْ كَلَامِ الصَّحَابِيِّ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ بِدْعَةٍ وَقَعَتْ فِي الْإِسْلَامِ فِتْنَةُ الْخَوَارِجِ، وَكَانَ مَبْدَؤُهُمْ بِسَبَبِ الدُّنْيَا حِينَ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ (?) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْن، فَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا فِي عُقُولِهِمُ الْفَاسِدَةِ أَنَّهُ لَمْ يَعْدِلْ في القسمة، ففاجؤوه بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، فَقَالَ قَائِلُهُمْ -وَهُوَ ذُو الخُوَيْصرة-بَقَرَ اللَّهُ خَاصِرَتَهُ-اعْدِلْ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ خِبْتُ وخَسرْتُ إنْ لَمْ أَكُنْ أَعدل، أيأمَنُني عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأمَنُونِي". فَلَمَّا قَفَا الرَّجُلُ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -وَفِي رِوَايَةٍ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ-[وَلَا بُعد فِي الْجَمْعِ] (?) -رَسُولَ اللَّهِ فِي قَتْلِهِ، فَقَالَ: "دَعْهُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئ هَذَا-أَيْ: مِنْ جِنْسِهِ -قَوْمٌ يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهِ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرّمِيَّة، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أجْرًا (?) لِمَنْ قَتَلَهُمْ.
ثُمَّ كَانَ ظُهُورُهُمْ أَيَّامَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَتْلُهُمْ (?) بالنَّهْروان، ثُمَّ تَشَعَّبَتْ مِنْهُمْ شُعُوبٌ وَقَبَائِلُ وَآرَاءٌ وَأَهْوَاءٌ وَمَقَالَاتٌ ونِحَلٌ كَثِيرَةٌ مُنْتَشِرَةٌ، ثُمَّ نَبَعَت القَدَرَيّة، ثُمَّ الْمُعْتَزِلَةُ، ثُمَّ الجَهْمِيَّة، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْبِدَعِ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ فِي قَوْلِهِ: "وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً" قَالُوا: [مَنْ] (?) هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " مَنْ كَانَ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي" أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ (?) .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ حُذَيْفَةَ -أَوْ سَمِعَهُ مِنْهُ-يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ: " إِنَّ فِي أُمَّتِي قَوْمًا يقرؤون الْقُرْآنَ يَنْثُرُونَهُ نَثْر الدَّقَل، يَتَأوَّلُوْنَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ". [لَمْ] (?) يُخَرِّجُوهُ (?) .
[وَقَوْلُهُ] (?) {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي الْوَقْفِ هَاهُنَا، فَقِيلَ: عَلَى الْجَلَالَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: التَّفْسِيرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ: فَتَفْسِيرٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي فَهْمِهِ، وَتَفْسِيرٌ تَعْرِفُهُ (?) الْعَرَبُ مِنْ لُغَاتِهَا، وَتَفْسِيرٌ يَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وَتَفْسِيرٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَائِشَةَ، وَعُرْوَةَ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَأَبِي نَهِيك، وَغَيْرِهِمْ.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ مَرْثَدٍ (?) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي ضَمْضَم بْنُ زُرْعَة، عَنْ شُرَيْح بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلَّا ثَلَاثَ خِلَالٍ: أَنْ يَكْثُرَ لهم المال