تَمْضِي عَلَيْهِمْ لَيْلَةٌ إِلَّا يَأْخُذُونَ مِنْهَا وَلَوْ شَيْئًا. وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: قلَّ لَيْلَةٌ تَأْتِي عَلَيْهِمْ لَا يُصَلُّونَ فِيهَا لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، إِمَّا مِنْ أَوَّلِهَا وَإِمَّا مَنْ أَوْسَطِهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قلَّ مَا يَرْقُدُونَ لَيْلَةً حَتَّى (?) الصَّبَاحِ لَا يَتَهَجَّدُونَ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ. وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ: كَانُوا يُصَلُّونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ، كَانُوا لَا يَنَامُونَ حَتَّى يُصَلُّوا الْعَتَمَةَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ "مَا" مَصْدَرِيَّةٌ، تَقْدِيرُهُ: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ هُجُوعُهُمْ وَنَوْمُهُمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} : كَابَدُوا قِيَامَ اللَّيْلِ، فَلَا يَنَامُونَ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا أَقَلَّهُ، وَنَشِطُوا فَمَدُّوا إِلَى السَّحَرِ، حَتَّى كَانَ الِاسْتِغْفَارُ بِسَحَرٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} : كَانُوا لَا يَنَامُونَ إِلَّا قَلِيلًا ثُمَّ يَقُولُ: لَسْتُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَانَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ يَقُولُ: عَرَضْتُ عَمَلِي عَلَى عَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا قَوْمٌ قَدْ بَايَنُونَا بَوْنًا بَعِيدًا، إِذَا قَوْمٌ لَا نَبْلُغُ أَعْمَالَهُمْ، كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ. وَعَرَضْتُ عَمَلِي عَلَى عَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَإِذَا قَوْمٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ يُكَذِّبُونَ (?) بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِرُسُلِ اللَّهِ، يُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَوَجَدْتُ مِنْ خَيْرِنَا مَنْزِلَةً قَوْمًا خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لِأَبِي: يَا أَبَا أُسَامَةَ، صِفَةٌ لَا أَجِدُهَا فِينَا، ذَكَرَ اللَّهُ قَوْمًا فَقَالَ: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} ، وَنَحْنُ وَاللَّهِ قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا نَقُومُ. فَقَالَ لَهُ أَبِي: طُوبَى لِمَنْ رَقَدَ إِذَا نَعَسَ، وَاتَّقَى اللَّهَ إِذَا اسْتَيْقَظَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَكُنْتُ فِيمَنِ انْجَفَلَ. فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفَتْ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ رَجُل كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ، وصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ" (?) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا". فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لِمَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ لِلَّهِ قَائِمًا، وَالنَّاسُ نِيَامٌ" (?) .
وَقَالَ مَعْمَر فِي قَوْلِهِ: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} : كان (?) الزهري والحسن يقولان: