يُفْتَنُ الذَّهَبُ عَلَى النَّارِ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ كَمُجَاهِدٍ أَيْضًا، وَعِكْرِمَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِي، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: {يُفْتَنُونَ} : يُحْرَقُونَ.
{ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} : قَالَ مُجَاهِدٌ: حَرِيقَكُمْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: عَذَابَكُمْ. {هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} : أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا وَتَحْقِيرًا وَتَصْغِيرًا.
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) }
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُتَّقِينَ لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُمْ يَوْمَ مَعَادِهِمْ يَكُونُونَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، بِخِلَافِ مَا أُولَئِكَ الْأَشْقِيَاءُ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، وَالْحَرِيقِ وَالْأَغْلَالِ.
وَقَوْلُهُ: {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} : قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَيْ عَامِلِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ (?) مِنَ الْفَرَائِضِ. {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} أَيْ: قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ (?) عَلَيْهِمُ الْفَرَائِضَ. كَانُوا مُحْسِنِينَ فِي الْأَعْمَالِ أَيْضًا. ثُمَّ رَوَى عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مهْرَان، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عُمَرَ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} قَالَ: مِنَ الْفَرَائِضِ، {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} : قَبْلَ الْفَرَائِضِ يَعْمَلُونَ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ، وَلَا يَصِحُّ (?) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عُمَرَ الْبَزَّارِ، عَنْ مُسْلِمٍ (?) الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ. وَالَّذِي فَسَّرَ بِهِ ابْنُ جَرِيرٍ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {آَخِذِينَ} حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ: {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} : فَالْمُتَّقُونَ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ فِي الْجَنَّاتِ وَالْعُيُونِ آخِذُونَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ (?) ، أَيْ: مِنَ النَّعِيمِ وَالسُّرُورِ وَالْغِبْطَةِ.
وَقَوْلُهُ (?) : {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} أَيْ: فِي الدَّارِ الدُّنْيَا {مُحْسِنِينَ} ، كَقَوْلِهِ: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الْحَاقَّةِ: 24] ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّن إِحْسَانَهُمْ فِي الْعَمَلِ فَقَالَ: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} ، اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ "مَا" نَافِيَةٌ، تَقْدِيرُهُ: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ لَا يَهْجَعُونَهُ. قَالَ ابْنُ عباس: لم تكن