خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... قَدْ نَزَّلَ الرَّحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهِ ...
بَأَنَّ خَيْرَ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِهِ ... يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ ...
نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ ... كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ...
ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عَنْ خَلِيلِهِ ...
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ -يَعْنِي: ابْنَ زَكَرِيَّا-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي: ابْنَ عُثْمَانَ-عَنْ أَبِي الطُّفَيْل (?) ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ فِي عُمْرَتِهِ، بَلَغَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ قُرَيْشًا [تَقُولُ] (?) : مَا يَتَبَاعَثُونَ مِنَ العَجَف. فَقَالَ أَصْحَابُهُ: لَوِ انْتَحَرْنَا مِنْ ظَهْرِنَا، فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ، وحَسَونا مِنْ مَرَقه، أَصْبَحْنَا غَدًا حِينَ نَدْخُلُ عَلَى الْقَوْمِ وَبِنَا جَمَامَة. قَالَ: "لَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنِ اجْمَعُوا لِي (?) مِنْ أَزْوَادِكُمْ". فَجَمَعُوا لَهُ وَبَسَطُوا الْأَنْطَاعَ، فَأَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوا وَحَثَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي جِرَابِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَقَعَدَتْ قُرَيْشٌ نَحْوَ الْحِجْرِ، فَاضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: "لَا يَرَى (?) الْقَوْمُ فِيكُمْ غَمِيرَةً" فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ رَمَل، حَتَّى إِذَا تَغَيَّبَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ مَشَى إِلَى الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا تَرْضَوْنَ بِالْمَشْيِ أَمَا إِنَّكُمْ لتنقُزُون نَقْزَ الظِّبَاءِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، فَكَانَتْ سُنَّة. قَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ: فَأَخْبَرَنِي ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ (?) .
وَقَالَ (?) أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا يُونُسُ؛ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ، وَقَدْ وَهَّنَتْهُمْ حُمّى يَثْرِبَ، وَلَقُوا مِنْهَا سُوءًا، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدُمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَّنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، وَلَقُوا مِنْهَا شَرًّا، وَجَلَسَ الْمُشْرِكُونَ مِنَ النَّاحِيَةِ الَّتِي تَلِي الْحِجْرَ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا قَالُوا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أَصْحَابَهُ] (?) أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ؛ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، قَالَ: فَرْمَلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْشُوا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ حَيْثُ لَا يَرَاهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَلَمْ يَمْنَعِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا إِبْقَاءً عَلَيْهِمْ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَّنَتْهُمْ؟ هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، بِهِ (?) وَفِي لَفْظٍ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ، أَيْ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدُمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ قَدْ وَهَّنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كلها إلا الإبقاء عليهم.