كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُرِىَ فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ فَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا سَارُوا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ لَمْ يَشُكَّ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا تَتَفَسَّرُ (?) هَذَا الْعَامَ، فَلَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ مِنْ قَضِيَّةِ الصُّلْحِ وَرَجَعُوا عَامَهُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَعُودُوا مِنْ قَابَلَ، وَقَعَ فِي نُفُوسِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، حَتَّى سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ فِيمَا قَالَ: أَفَلَمْ تَكُنْ تُخْبِرُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: "بَلَى، أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ (?) عَامَكَ هَذَا" قَالَ: لَا قَالَ: "فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ". وَبِهَذَا أَجَابَ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَيْضًا حَذْو القُذَّة بالقُذَّة؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} : [وَ] (?) هَذَا لِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ وَتَوْكِيدِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي شَيْءٍ، [وَقَوْلُهُ] (?) : {آمِنِينَ} أَيْ: فِي حَالِ دُخُولِكُمْ. وَقَوْلُهُ: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} ، حَالٌ مُقَدَّرَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ فِي حَالِ حَرَمِهِمْ (?) لَمْ يَكُونُوا مُحَلِّقِينَ وَمُقَصِّرِينَ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي ثَانِي الْحَالِ، كَانَ مِنْهُمْ مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَصَّرَهُ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ"، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ". قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ". قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَالْمُقَصِّرِينَ" فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ (?) .

وَقَوْلُهُ: {لَا تَخَافُونَ} : حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ فِي الْمَعْنَى، فَأَثْبَتَ لَهُمُ الْأَمْنَ حَالَ الدُّخُولِ، وَنَفَى عَنْهُمُ الْخَوْفَ حَالَ اسْتِقْرَارِهِمْ فِي الْبَلَدِ لَا يَخَافُونَ مِنْ أَحَدٍ. وَهَذَا كَانَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا ذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ، وَخَرَجَ فِي صِفْرَ إِلَى خَيْبَرَ فَفَتَحَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ بَعْضَهَا عَنْوَةً وَبَعْضَهَا صُلْحًا، وَهِيَ إِقْلِيمٌ عَظِيمٌ كَثِيرُ النَّخْلِ (?) وَالزُّرُوعِ، فَاسْتَخْدَمَ (?) مَنْ فِيهَا مِنَ الْيَهُودِ عَلَيْهَا عَلَى الشَّطْرِ، وَقِسَّمَهَا بَيْنَ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ وَحْدَهُمْ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا أَحَدٌ غَيْرُهُمْ إِلَّا الَّذِينَ قَدِمُوا مِنَ الْحَبَشَةِ، جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابُهُ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَلَمْ يَغِبْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: إِلَّا أَبَا دُجَانَةَ سِمَاك بْنَ خَرَشَة، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا كَانَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ [فِي] (?) سَنَةِ سَبْعٍ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا هُوَ وَأَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ، قِيلَ: كَانَ سِتِّينَ بَدَنَةً، فَلَبَّى وَسَارَ أَصْحَابُهُ يُلَبُّونَ. فَلَمَّا كَانَ قَرِيبًا مِنْ مَرِّ الظَّهْرَانِ بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ أَمَامَهُ، فَلَمَّا رَآهُ الْمُشْرِكُونَ رُعِبُوا رُعْبًا شَدِيدًا، وَظَنُّوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُوهُمْ، وَأَنَّهُ قَدْ نكث العهد الذي بينه بينهم مِنْ وَضْعِ الْقِتَالِ عَشْرَ سِنِينَ، وَذَهَبُوا فَأَخْبَرُوا أَهْلَ مَكَّةَ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَى أَنْصَابِ الْحَرَمِ، بَعَثَ السِّلَاحَ مِنَ الْقِسِيِّ وَالنَّبْلِ وَالرِّمَاحِ إِلَى بَطْنِ يَأْجُجَ، وَسَارَ إِلَى مَكَّةَ بِالسَّيْفِ مُغْمَدَةً فِي قُرُبِهَا، كَمَا شَارَطَهُمْ عَلَيْهِ. فَلَمَّا كَانَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ بعثت قريش مِكْرَز

طور بواسطة نورين ميديا © 2015