قَالَ السُّدِّيُّ: أَمَّا الْغَضَبُ الْأَوَّلُ فَهُوَ حِينُ غَضَبِ عَلَيْهِمْ فِي العِجْل، وَأَمَّا الْغَضَبُ الثَّانِي فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ حِينَ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ] (?) .
وَقَوْلُهُ: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} لَمَّا كَانَ كُفْرُهُمْ سَبَبُهُ الْبَغْيُ وَالْحَسَدُ، وَمَنْشَأُ ذَلِكَ التَّكَبُّرُ، قُوبِلُوا بِالْإِهَانَةِ وَالصَّغَارِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غَافِرٍ: 60] ، [أَيْ: صَاغِرِينَ حَقِيرِينَ ذَلِيلِينَ رَاغِمِينَ] (?) .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلان، عَنْ عَمْرِوِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ النَّاسِ، يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الصَّغَارِ حَتَّى يَدْخُلُوا سِجْنًا فِي جَهَنَّمَ، يُقَالُ لَهُ: بُولَس فَيَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ (?) مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ: عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ" (?) .
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) }
يَقُولُ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} أَيْ: لِلْيَهُودِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ {آمِنُوا بِمَا أَنزلَ اللَّهُ} [أَيْ] (?) : عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدِّقُوهُ وَاتَّبِعُوهُ {قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزلَ عَلَيْنَا} أَيْ: يَكْفِينَا الْإِيمَانُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَلَا نُقِرُّ إِلَّا بِذَلِكَ، {وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ} يَعْنِي: بِمَا بَعْدَهُ {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} أَيْ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَقُّ (?) {مُصَدِّقًا} (?) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، أَيْ فِي حَالِ تَصْدِيقِهِ لِمَا مَعَهُمْ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَالْحُجَّةُ قَائِمَةٌ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [الْبَقَرَةِ: 146] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: { [قُلْ] (?) فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أَيْ: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي دَعْوَاكُمُ الْإِيمَانَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، فَلِمَ قَتَلْتُمُ الْأَنْبِيَاءَ الذين جاؤوكم بِتَصْدِيقِ التَّوْرَاةِ التِي بِأَيْدِيكُمْ وَالْحُكْمِ بِهَا وَعَدَمِ نَسْخِهَا، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ صِدْقَهُمْ؟ قَتَلْتُمُوهُمْ بَغْيًا [وَحَسَدًا] (?) وَعِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا عَلَى رُسُلِ اللَّهِ، فَلَسْتُمْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا مُجَرَّدَ الْأَهْوَاءِ، وَالْآرَاءِ وَالتَّشَهِّي (?) كَمَا قَالَ تَعَالَى {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [الْبَقَرَةِ: 87] .