يُبْعَثُ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْبِلَادِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ. قَالُوا: وَمَتَى نَرَاهُ؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلِيَّ وَأَنَا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَقَالَ: إِنْ يَسْتَنْفِذْ هَذَا الْغُلَامُ عُمُرَهُ يُدْرِكْهُ. قَالَ سَلَمَةَ: فَوَاللَّهِ مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَآمَنَّا بِهِ وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا وَحَسَدًا.
فَقُلْنَا: وَيْلَكَ يَا فُلَانُ، أَلَسْتَ بِالذِي قُلْتَ لَنَا؟ قَالَ: بَلَى وَلَيْسَ بِهِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (?) .
وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ يَهُودَ خَيْبَرَ اقْتَتَلُوا فِي زَمَانِ الْجَاهِلِيَّةِ مَعَ غَطَفَانَ فَهَزَمَتْهُمْ غَطَفَانُ، فَدَعَا الْيَهُودُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِحَقِّ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الذِي وَعَدْتَنَا بِإِخْرَاجِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، إِلَّا نَصَرْتَنَا عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَنُصِرُوا عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانُوا يَصْنَعُونَ يَدْعُونَ اللَّهَ فَيُنْصَرُونَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَمَنْ نَازَلَهُمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا} أَيْ مِنَ الْحَقِّ وَصِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كَفَرُوا بِهِ" فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ.
{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنزلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) }
قَالَ مُجَاهِدٌ: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} يهودُ شَرَوُا الحقَّ بِالْبَاطِلِ، وكتمانَ مَا جاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُبَيِّنُوهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} يَقُولُ: بَاعُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، يَعْنِي: بِئْسَمَا اعْتَاضُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَرَضُوا بِهِ [وَعَدَلُوا إِلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَصْدِيقِهِ وَمُؤَازَرَتِهِ وَنُصْرَتِهِ] (?) .
وَإِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْبَغْيُ وَالْحَسَدُ وَالْكَرَاهِيَةُ {أَنْ يُنزلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} وَلَا حَسَدَ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنزلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} أَيْ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَالْغَضَبُ عَلَى الْغَضَبِ، فَغَضَبُهُ عَلَيْهِمْ فِيمَا كَانُوا ضَيَّعُوا مِنَ التَّوْرَاةِ وَهِيَ مَعَهُمْ، وَغَضِبَ بِكُفْرِهِمْ بِهَذَا النَّبِيِّ الذِي أَحْدَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ.
قُلْتُ: وَمَعْنَى {بَاءُوا} اسْتَوْجَبُوا، وَاسْتَحَقُّوا، وَاسْتَقَرُّوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِكَفْرِهِمْ بِالْإِنْجِيلِ وَعِيسَى، ثُمَّ غَضِبَ عَلَيْهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ، وَبِالْقُرْآنِ (?) عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، [وعن عكرمة وقتادة مثله] (?) .