وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (?) : {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} : إِلَى الْمَوْتِ.
وَلِهَذَا طُرُقٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَفِي بَعْضِهَا: لَرَادُّكَ إِلَى مَعْدِنِكَ مِنَ الْجَنَّةِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُحْيِيكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي قَزَعَةَ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَأَبِي صَالِحٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَيْ وَاللَّهِ، إِنَّ لَهُ لَمَعَادًا (?) ، يَبْعَثُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ.
وَقَدْ رُوي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ صَحِيحِهِ (?) :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَنْبَأَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ العُصْفُريّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} قَالَ: إِلَى مَكَّةَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُنَنِهِ، وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى -وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسيّ -بِهِ (?) . وَهَكَذَا رَوَى العَوْفيّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} أَيْ: لَرَادُّكَ إِلَى مَكَّةَ كَمَا أَخْرَجَكَ مِنْهَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} : إِلَى مَوْلِدِكَ بِمَكَّةَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطِيَّةَ، وَالضَّحَّاكِ، نَحْوُ ذَلِكَ.
[وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: فَسَمِعْنَاهُ مِنْ مُقَاتِلٍ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً، عَنِ الضَّحَّاكِ] (?) قَالَ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، فَبَلَغَ الجُحْفَة، اشْتَاقَ إِلَى مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} إِلَى مَكَّةَ.
وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الضَّحَّاكِ يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ مَجْمُوعُ السُّورَةِ مَكِّيًّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} قَالَ: هَذِهِ مِمَّا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَكْتُمُهَا، وَقَدْ رَوَى ابنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدِهِ عَنْ نُعَيْمٍ الْقَارِئِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} قَالَ: إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
وَهَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ هُوَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَّرَ ذَلِكَ تَارَةً بِرُجُوعِهِ إِلَى مَكَّةَ، وَهُوَ الْفَتْحُ الَّذِي هُوَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَمَارَةٌ عَلَى اقْتِرَابِ أَجَلِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ (?) ، كما فسره ابن عباس