أَيْ: أَفَلَا تَتَدَبَّرُونَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الضَّلَالِ وَالْكُفْرِ الْغَلِيظِ، الَّذِي لَا يُرَوَّجُ إِلَّا عَلَى جَاهِلٍ ظَالِمٍ فَاجِرٍ؟ فَأَقَامَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ، وَأَلْزَمَهُمْ بِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} الْآيَةَ [الْأَنْعَامِ:83] .
{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأخْسَرِينَ (70) } .
لَمَّا دَحَضت حُجَّتُهُمْ، وَبَانَ عَجْزُهُمْ، وَظَهَرَ الْحَقُّ، وَانْدَفَعَ الْبَاطِلُ، عَدَلُوا إِلَى اسْتِعْمَالِ جَاهِ مُلْكِهِمْ، فَقَالُوا: {حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} فَجَمَعُوا حَطَبًا كَثِيرًا جِدًّا -قَالَ السُّدِّيُّ: حَتَّى إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَمْرَضُ، فَتَنْذُرُ إِنْ عُوفِيَتْ أَنْ تَحْمِلَ حَطَبًا لِحَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ-ثُمَّ جَعَلُوهُ فِي جَوْبة مِنَ الْأَرْضِ، وَأَضْرَمُوهَا نَارًا، فَكَانَ لَهَا شَرَرٌ عَظِيمٌ وَلَهَبٌ مُرْتَفِعٌ، لَمْ تُوقَدْ قَطُّ نَارٌ (?) مِثْلُهَا، وَجَعَلُوا إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي كِفَّةِ الْمَنْجَنِيقِ بِإِشَارَةِ رَجُلٍ مِنْ أَعْرَابِ فَارِسَ مِنَ الْأَكْرَادِ -قَالَ شُعَيب الْجِبَائِيُّ: اسْمُهُ هِيزُنُ-فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَمَّا أَلْقَوْهُ قَالَ: "حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: "حَسْبِي (?) اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا (?) مُحَمَّدٌ حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آلِ عِمْرَانَ: 173] (?) .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا ابْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ (?) بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم "لما أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي النَّارِ قَالَ: اللَّهُمَّ، إِنَّكَ فِي السَّمَاءِ وَاحِدٌ، وَأَنَا فِي الْأَرْضِ وَاحِدٌ أَعْبُدُكَ" (?) .
وَيُرْوَى أَنَّهُ لَمَّا جَعَلُوا يُوثِقُونَهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ لَكَ الْحَمْدُ، وَلَكَ الْمُلْكُ، لَا شَرِيكَ لَكَ (?) .
وَقَالَ شُعَيْبٌ الْجِبَائِيُّ: كَانَ عُمْرُهُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّهُ عَرَضَ لَهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ فِي الْهَوَاءِ، فَقَالَ: أَلِكَ حَاجَةٌ؟ فَقَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا [وَأَمَّا من الله فبلى] (?) .