نُورِهِ وَإِخْمَادِ كَلِمَتِهِ، وَظُهُورِ كَذِبِهِ وَافْتِرَائِهِمْ، وَتَخَوَّفُوا مِنْ [مَعْرِفَتِهِ] (?) أَنْ يَسْتَمِيلَ (?) النَّاسَ بِسِحْرِهِ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ (?) فَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِظُهُورِهِ عَلَيْهِمْ، وَإِخْرَاجِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ وَالَّذِي خَافُوا مِنْهُ وَقَعُوا فِيهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [الْقَصَصِ:6] فَلَمَّا تَشَاوَرُوا فِي شَأْنِهِ، وَائْتَمَرُوا فِيهِ، اتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى مَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) }
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَرْجِهِ} أَخِّرْهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: احبسهُ. {وَأَرْسِلْ} أَيِ: ابْعَثْ {فِي الْمَدَائِنِ} أَيْ: فِي الْأَقَالِيمِ وَمُعَامَلَةِ مُلْكِكَ، {حَاشِرِينَ} أَيْ: مَنْ يَحْشُرُ لَكَ السَّحَرَةَ مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ وَيَجْمَعُهُمْ.
وَقَدْ كَانَ السِّحْرُ فِي زَمَانِهِمْ غَالِبًا كَثِيرًا ظَاهِرًا. وَاعْتَقَدَ مَنِ اعْتَقَدَ مِنْهُمْ، وَأُوهِمَ مَنْ أُوهِمَ مِنْهُمْ، أَنَّ مَا جَاءَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ قَبِيلِ مَا تُشَعْبِذُهُ (?) سَحَرَتُهُمْ؛ فَلِهَذَا جَمَعُوا لَهُ السَّحَرَةَ لِيُعَارِضُوهُ بِنَظِيرِ مَا أَرَاهُمْ مِنَ الْبَيِّنَاتِ، كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ حَيْثُ قَالَ: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى. فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى. قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى. فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى} [طه:57-60] وَقَالَ تَعَالَى هَاهُنَا:
{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا تَشَارَطَ عَلَيْهِ فِرْعَوْنُ وَالسَّحَرَةُ الَّذِينَ (?) اسْتَدْعَاهُمْ لِمُعَارَضَةِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنْ غَلَبُوا مُوسَى لَيُثِيبَنَّهُمْ وَلَيُعْطِينَّهُمْ عَطَاءً جَزِيلًا. فَوَعَدَهُمْ وَمَنَّاهُمْ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مَا أَرَادُوا، وَيَجْعَلَنَّهُمْ (?) مِنْ جُلَسَائِهِ وَالْمُقَرِّبِينَ عِنْدَهُ، فَلَمَّا تَوَثَّقُوا مِنْ فرعون لعنه الله:
{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) }
هَذِهِ مُبَارَزَةٌ مِنَ السَّحَرَةِ لِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي قَوْلِهِمْ: {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} أَيْ: قَبْلك. كَمَا قَالَ (?) فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} [طه:65] فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: {أَلْقُوا} أَيْ: أَنْتُمْ أَوَّلًا قَبْلِي. وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -لِيَرَى النَّاسُ صَنِيعَهُمْ وَيَتَأَمَّلُوهُ، فَإِذَا فُرغ مِنْ بَهْرَجِهِمْ (?) وَمُحَالِهِمْ، جَاءَهُمُ الْحَقُّ الْوَاضِحُ الْجَلِيُّ بَعْدَ تَطَلُّبٍ لَهُ وَالِانْتِظَارِ مِنْهُمْ لِمَجِيئِهِ، فَيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ. وَكَذَا كَانَ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} أَيْ: خَيَّلُوا إِلَى الْأَبْصَارِ أَنَّ مَا فَعَلُوهُ لَهُ حَقِيقَةٌ فِي الْخَارِجِ، وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا مُجَرَّدَ صَنْعَةٍ وَخَيَالٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:66: 69] .