122

وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِهَا، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَبَدُوهُمْ، فَقَالَ: "بَلْ إِنَّهُمْ أَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ، فَاتَّبَعُوهُمْ، فَذَلِكَ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ" (?) .

{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) }

هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِ الَّذِي كَانَ مَيْتًا، أَيْ: فِي الضَّلَالَةِ، هَالِكًا حَائِرًا، فَأَحْيَاهُ اللَّهُ، أَيْ: أَحْيَا قَلْبَهُ بِالْإِيمَانِ، وَهَدَاهُ لَهُ وَوَفَّقَهُ لِاتِّبَاعِ رُسُلِهِ. {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} أَيْ: يَهْتَدِي [بِهِ] (?) كَيْفَ يَسْلُكُ، وَكَيْفَ يَتَصَرَّفُ بِهِ. وَالنُّورُ هُوَ: الْقُرْآنُ، كَمَا رَوَاهُ العَوْفي وَابْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ السُّدِّي: الْإِسْلَامُ. وَالْكُلُّ صَحِيحٌ.

{كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} (?) أَيِ: الْجَهَالَاتِ وَالْأَهْوَاءِ وَالضَّلَالَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ، {لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} أَيْ: لَا يَهْتَدِي إِلَى مَنْفَذٍ، وَلَا مَخْلَصٍ (?) مِمَّا هُوَ فِيهِ، [وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ ثُمَّ رَشَّ عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ فَمَنْ أَصَابَهُ ذَلِكَ النُّورُ اهْتَدَى وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ"] (?) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257] . و [كَمَا] (?) قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الْمُلْكِ: 22] ، وَقَالَ تَعَالَى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأعْمَى وَالأصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [هُودٍ: 24] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلا الأمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ} [فَاطِرَ: 19 -23] . وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، وُوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي ضَرْبِ الْمَثَلَيْنِ هَاهُنَا بِالنُّورِ وَالظُّلُمَاتِ، مَا (?) تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الْأَنْعَامِ: 1] .

وَزَعَمَ (?) بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْمَثَلِ رَجُلَانِ مُعَيَّنَانِ، فَقِيلَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هُوَ الَّذِي كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَاهُ اللَّهُ، وَجَعَلَ لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ. وَقِيلَ: عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. وَأَمَّا الَّذِي فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا: أَبُو جَهْلٍ عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ، لَعَنَهُ اللَّهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ، يَدْخُلُ فيها كل مؤمن وكافر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015