وحَكَي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَرَأَ: "وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةً اللَّهُ"، وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى هِيَ الْمَشْهُورَةُ.

{إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ} أَيْ: إِنْ فَعَلْنَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، مِنْ تَحْرِيفِ الشَّهَادَةِ، أَوْ تَبْدِيلِهَا، أَوْ تَغْيِيرِهَا (?) أَوْ كَتْمِهَا بِالْكُلِّيَّةِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} أَيْ: فَإِنِ اشْتَهَرَ وَظَهَرَ وَتَحَقَّقَ مِنَ الشَّاهِدَيْنِ الْوَصِيَّيْنِ، أَنَّهُمَا خَانَا أَوْ غَلا شَيْئًا مِنَ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ إِلَيْهِمَا، وَظَهَرَ عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيَانِ} هَذِهِ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ: "اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ". ورُوي عَنْ عَلِيٍّ، وأُبيّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمْ قَرَؤُوهَا: {اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيَانِ} .

وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ الفَرْوِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيَانِ} ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. (?)

وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ، وَمِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ: "مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوَّلِين". وَقَرَأَ الْحَسَنُ: "مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوَّلان"، حَكَاهُ ابنُ جَرِيرٍ.

فَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ يَكُونُ الْمَعْنَى بِذَلِكَ: أَيْ مَتَى تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ عَلَى خِيَانَتِهِمَا، فَلْيَقُمِ اثْنَانِ مِنَ الْوَرَثَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلتَّرِكَةِ وَلِيَكُونَا مِنْ أوْلى مَنْ يَرِثُ ذَلِكَ الْمَالَ {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} أَيْ: لِقَوْلِنَا: إِنَّهُمَا خَانَا أحقُّ وَأَصَحُّ وَأَثْبَتُ مِنْ شَهَادَتِهِمَا الْمُتَقَدِّمَةِ {وَمَا اعْتَدَيْنَا} أَيْ: فِيمَا قُلْنَا مِنَ الْخِيَانَةِ {إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} أَيْ: إِنْ كُنَّا قَدْ كَذَبْنَا عَلَيْهِمَا.

وَهَذَا التَّحْلِيفُ لِلْوَرَثَةِ، وَالرُّجُوعُ إِلَى قَوْلِهِمَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ، كَمَا يَحْلِفُ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ إِذَا ظَهَرَ لَوْث (?) فِي جَانِبِ الْقَاتِلِ، فَيُقْسِمُ الْمُسْتَحِقُّونَ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ إِلَيْهِمْ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي بَابِ "الْقَسَامَةِ" مِنَ الْأَحْكَامِ.

وَقَدْ وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِمِثْلِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ بَاذَانَ -يَعْنِي: أَبَا صَالِحٍ مَوْلَى أَمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} قَالَ: بَرئ النَّاسُ مِنْهَا غَيْرِي وَغَيْرَ عَديّ بْنِ بَدَّاء. وَكَانَا (?) نَصْرَانِيَّيْنِ، يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشَّامِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَأَتَيَا الشَّامَ لِتِجَارَتِهِمَا وَقَدِمَ عَلَيْهِمَا مَوْلًى لِبَنِي سَهْمٍ، يُقَالُ لَهُ: بُدَيْل بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، بِتِجَارَةٍ وَمَعَهُ جَامٌ مِنْ فِضَّةٍ يُرِيدُ بِهِ الْمُلْكَ، وَهُوَ عُظْم (?) تِجَارَتِهِ. فَمَرِضَ فَأَوْصَى إِلَيْهِمَا، وَأَمَرَهُمَا أَنْ يُبَلِّغَا مَا تَرَكَ أَهْلَهُ -قَالَ تَمِيمٌ: فَلَمَّا مَاتَ أَخَذْنَا ذَلِكَ الْجَامَ، فبعناه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015