عن حذيفةَ قال: "قامَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فدعا الناسَ فقال: هلمُّوا إليَّ، فأقبلوا إليه فجلسُوا، فقال: "هذا رسولُ ربِّ العالمين جبريلُ - عليه السلامُ. - نفثَ في رُوعي: أنَّه لا تموتُ نفسٌ حتى تستكملَ رزقَها وإن أبْطأَ عليها، فاتقوا اللَّهَ وأجمِلُوا في الطلبِ ولا يحملنَّكُم استبطاءُ الرّزْقِ أنْ تأخذُوه بمعصيةِ اللَهِ، فإنَّ اللهَ لا يُنالُ ما عندَه إلا بطاعَتِهِ ".
إذا تبيَن هذا؛ فقدْ عُلِمَ أن العلمَ مستلزِم للخشيةِ منْ هذه الوجوهِ كُلِّها.
لكن على الوجهِ الأولِ يستلزمُ الخشيةَ العلمُ باللَّهِ وجلالِهِ وعظمتِهِ، وهو الذي فسرَ الآيةَ به جماعةٌ من السلفِ، كما تقدَّم، وعلى الوجوهِ الأُخرِ تكون الخشيةُ ملازمةٌ للعلم بأوامرِ اللهِ ونواهيهِ وأحكامِهِ وشرائعِهِ وأسرارِ دينه
وشرعِهِ وخلقِهِ وقَدَره، ولا تَنافي بينَ هذا العلم والعلم باللَّهِ؛ فإنَّهما قد
يجتمعانِ وقد ينفردُ أحدُهما عن الآخرِ، وأكملُ الأحوال اجتماعُهما جميعًا
وهي حالةُ الأنبياءِ - عليهم السلامُ - وخواصُّ الصديقينَ ومتى اجتمعا كانتِ
الخشيةُ حاصلةٌ من تلكَ الوجوهِ كلها، وإن انفردَ أحدُهما حصلَ من الخشيةِ
بحسبِ ما حصَّل من ذلك العلم، والعلماءُ الكُمَّلُ أولو العلم في الحقيقةِ
الذين جمعُوا الأمرين.
وقد ذكر الحافظُ أبو أحمدَ بنُ عديٍّ: ثنا أحمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ صالح بنِ
شيخ بنِ عميرةَ: ثنا إسحاقُ بن بهلول قال: قال لي إسحاقُ بنُ الطباع: قال
لي سفيانُ بن عيينةَ: "عالمٌ باللَّه عالِمٌ بالعلم، عالمٌ باللَّه ليس بعالِمٍ بالعلم.
عالمٌ بالعلم ليس بعالم باللَّه "، قال: قلتُ لإسحاقَ: فهمنيه واشرحه لي،