نهارهم بما تسمعونَ، ثم ذكرَ ليلَهم خيرَ ليلٍ فقالَ:
(وَالَّذِينَ يبيتونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) .
ينتصبون للَّهِ على أقدامِهم، ويفترشونَ وجوهَهُم لربِّهم سُجَّدًا، تجري
دموعُهم على خُدودِهم فرقًا من ربِّهم لأمرٍ ما، أسْهَرُوا له ليلَهم، ولأمرٍ ما.
خَشَعُوا له نهارَهُم، ثم قالَ: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جهَنَّمَ إِنَّ
عَذَابَهَا كانَ غَرَامًا) .
قال: وكلُّ شيءٍ يُصيبُ ابنَ آدمَ ثمَّ يزولُ عنه فليس بغرامٍ، إنما الغرامُ:
اللازمُ له ما دامتِ السماواتُ والأرضُ، قالَ: صدقَ القومُ، واللَّهِ الذي لا إله إلا هوَ، فعمِلُوا ولم يتمنَوا، فإياكم - رحمكم اللَّهُ - وهذه الأماني، فإن اللَّهَ لم يُعطِ عبدًا بالأمنيةِ خيرًا قطُّ في الدنيا والآخرةِ، وكانَ يقولُ: يالَهَا موعظة لو وافقت من القُلوبِ حياةً.
وقد شرعَ اللَّهُ لعبادِهِ من أنواع العباداتِ ما يظهُر فيه خشوع الأبدانِ
الناشيءُ عن خشوع القلبِ وذلّه وانكسارِه، ومن أعظمِ ما يظهرُ فيه خشوعُ
الأبدانِ للَّهِ تعالى مِنَ العباداتِ: الصلاةُ، وقد مدحَ اللَّهُ تعالى الخاشعينَ فيها
بقولهِ عزَّ وجلَّ: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) .
وقد سبقَ بعضُ ما قاله السلفُ في تفسيرِ الخشوع في الصلاةِ.
وقال ابنُ لَهيعةَ عن عطاءِ بنِ دينارٍ رحمه اللَّه تعالى عن سعيدِ بن جُبيرٍ -
رحمه اللَّه تعالى -: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)
يعني: متواضِعينَ لا يعرفُ مَنْ عنْ يمينِهِ ولا مَنْ عن شمالهِ، ولا يلتفتُ في الخشوع للَّه عزَّ وجلَّ.