وتارةً يكونُ للندبِ كصدقةِ التطوع ونحوِها.
وهذا الحديثُ يدلُّ على وجوبِ الإحسانِ في كلِّ شيءٍ من الأعمالِ، لكن
إحسانُ كُلِّ شيءٍ بحسبِهِ، فالإحسانُ في الإتيانِ بالواجباتِ الظاهرةِ والباطنة:
الإتيانُ بها على وجهِ كمالِ واجباتِها، فهذا القدر من الإحسانِ فيها واجبٌ.
وأمَّا الإحسانُ فيها بإكمالِ مستحبَّاتِهَا فليسَ بواجبٍ.
والإحسانُ في تركِ المحرَّماتِ: الانتهاءُ عنهَا، وتركُ ظاهرِهَا وباطِنِهَا، كما
قالَ تعالى: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ) ، فهذا القدرُ من الإحسانِ
فيها واجبٌ.
وأمَّا الإحسانُ في الصبرِ على المقدوراتِ، فأن يأتيَ بالصبرِ عليها على
وجهِهِ من غيرِ سخَطٍ ولا جزعَ.
والإحسانُ الواجبُ في معاملةِ الخلقِ ومعاشرتِهِم: القيامُ بما أوجبَ اللَّهُ من
حقوقِ ذلك كلِّه، والإحسانُ الواجبُ في ولايةِ الخلقِ وسياستِهِم: القيامُ
بواجباتِ الولايةِ كُلِّها، والقدرُ الزائدُ على الواجبِ في ذلك كلُّه إحسانٌ ليسَ بواجبٍ.
والإحسانُ في قتلِ ما يجوزُ قتلُهُ من النّاسِ والدوابِّ: إزهاقُ نفسِهِ على
أسرع الوجوهِ وأسهلِها وأوحاها من غيرِ زيادةٍ في التعذيبِ، فإنه إيلامٌ لا
حاجةَ إليه.
وهذا النوعُ هو الذي ذكرهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديثِ، ولعلَّه ذكرهُ على سبيلِ المثالِ، أو لحاجتِهِ إلى بيانِهِ في تلكَ الحالِ، فقالَ. "إدْا قتلتُم فأحسِنُوا القِتْلةَ، وإذا ذبحتُم فأحسِنُوا الذِّبحة"
والقِتلةُ والذِّبحة بالكسرِ، أي: الهيئةُ.
والمعنى: أحسنُوا هيئةَ الذبح، وهيئةَ القتلِ.
وهذا يدلُّ على وجوبِ الإسراع