أو كتبَ الإحسانَ في الولايةِ على كُلِّ شيءٍ، فيكونُ المكتوبُ عليه غيرَ
مذكورٍ، وإنما المذكورُ المحسنُ إليه.
ولفظُ: "الكتابةِ" يقتضِي الوجوبَ عندَ أكثر الفقهاءِ والأصوليين خلافًا
لبعضِهِم، وإنَّما يعرفُ استعمال لفظةِ الكتابةِ في القرآنِ فيما هو واجبٌ حتمٌ، إمَّا شرعًا، كقولِهِ تعالى: (إِن الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابا مَّوْقُوتًا) ، وقولِهِ: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) ، (كُتِبَ عَلَيكُمْ الْقِتَالُ) ، أو فيما هو واقعٌ قدرًا لا محالةَ، كقولِهِ: (كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) .
وقولِهِ: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) .
وقولِهِ: (أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهم الإِيمَانَ) .
وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في قيامِ شهرِ رمضانَ:
"إني خشيتُ أنْ يُكْتَبَ عليكُمْ "
وقال: "أمرتُ بالسِّواكِ حتَّى خشيتُ أن يُكتبَ عليَّ ".
وقال: "كُتِبَ على ابنِ آدمَ حظُّه من الزِّنى، وهو مدركٌ ذلكَ لا محالةَ".
وحينئذٍ فهذا الحديثُ نصّ في وجوبِ الإحسانِ، وقد أمرَ اللَّه تعالى به.
فقالَ: (إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) ، وقال: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ) .
وهذا الأمرُ بالإحسانِ تارةً يكونُ للوجوبِ، كالإحسانِ إلى الوالدينِ
والأرحامِ بمقدارِ ما يحصلُ به البرُّ والصِّلةُ، والإحسانُ إلى الضيف بقدرِ ما
يحصلُ به قِراهُ على ما سبقَ ذكرُهُ.