وقال أبو جعفر الرازيُّ، عن الربيع بنِ أنسِ، عن أبي العاليةِ قال: قال
رجل: يا رسولَ اللَّهِ، لو كانتْ كفاراتُنا ككفاراتِ بني إسرائيلَ، فقال النبيُّ
- صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ لا نبغيها - ثلاثاً - ما أعطاكُمُ اللَهُ خيرٌ مما أعطى بني إسرائيل، كانتْ بنو إسرائيل إذا أصاب أحدُهُم الخطيئةَ، وجدها مكتوبةَ على بابِهِ وكفارتَها، فإنْ كفرها كانتْ له خزيًا في الدنيا، وإن لم يكفرْها كانت له خزيًا في الآخرةِ، فما أعطاكُمُ اللَّهُ
خيرٌ مما أعطى بني إسرائيل قال تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثمَ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفورًا رَّحِيمًا) .
وقال ابنُ عباس في قولِهِ تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ)
قال: هو سعةُ الإسلامِ، وما جعلَ اللَّهُ لأمَّةِ محمدٍ من التوبةِ
والكفَّارةِ.
وظاهرُ هذه النصوصِ يدلُّ على أن من تابَ إلى اللَّه توبةً نصوحًا.
واجتمعتْ شروطُ التوبةِ في حقِّه، فإنه يُقطعُ بقبولِ اللهِ توبته، كما يُقطع
بقبولِ إسلام الكافرِ إذا أسلمَ إسلامًا صحيحا، وهذا قولُ الجمهورِ، وكلامُ
ابنِ عبدِ البِرِّ يدلُّ على أنّه إجماع.
ومن الناسِ من قال: لا يقطعُ بقبولِ التوبةِ، بل يُرجَى، وصاحبُها تحتَ
المشيئةِ، وإن تابَ، واستدلوا بقولِهِ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) ، فجعلَ الذنوبَ كلَّها تحتَ مشيئته، وربما استدلَّ بمثلِ
قولِهِ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) ، وبقولِهِ: (فَاَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أن يَكونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) .