وهذا يدلُّ على أنَّ الأرواحَ ليستْ في الجنةِ، وإنّما تعرضُ عليها بكرةً وعشيًّا.
كذلك ذكرَ ابنُ عطيةَ وغيرُه.
وهذا لا حجةَ لهم فيه لوجهين:
أحدهما: أنه يحتملُ أنْ يكون العرضُ بكرةً وعشيًّا على الروح المتصلةِ
بالبدنِ، والروحُ وحدَها في الجنةِ فتكونُ البشارةُ والتخويفُ للجسدِ في هذينِ
الوقتينِ باتصالِ الروح به. وأما الروحُ فهيَ أبدًا في نعيم أو عذابٍ.
والثاني: أن الذي يُعرضُ بالغداةِ والعشيِّ هو مسكنُ ابنِ آدمَ الذي يستقرُ فيه
في الجنةِ أو النارِ، وليستِ الأرواحُ مستقرةً فيه في مدةِ البرزخ، وإنْ كانتْ في الجنةِ أو النارِ.
ولهذا جاءَ في حديثِ البراءِ بنِ عازبٍ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ المؤمنَ إذا فتحَ له في قبى بابٌ إلى الجنةِ، وقيلَ له: هذا منزلُكَ. فيقولُ: ربِّ أقِم الساعةَ حتَى أرجعَ إلى أهلِي ومالِي ".
وأمَّا السَّلامُ على أهلِ القبورِ فلا يدلّ على استقرارِ أرواحهِم على أفنيةِ
قبورِهم، فإنَّه يسلِّمُ على قبورِ الأنبياءِ والشهداءِ، وأرواحُهم في أعلى عليِّين، ولكنْ لها مع ذلكَ اتصالٌ سريعٌ بالجسدِ، ولا يعلمُ كُنْهَ ذلكَ وكيفيتَهُ على
الحقيقةِ إلا اللَّهُ عزَّ وجلَّ.
ويشهدُ لذلكَ الأحاديثُ المرفوعةُ والموقوفةُ على أصحابِهِ، كأبي الدرداءِ.
وعبدِ اللَّهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ رضي اللَّه عنهم، في أنَّ النائمَ يُعرجُ بروحِهِ
إلى العرشِ مع تعلّقها ببدنِهِ، وسرعةِ عودِها إليه عند استيقاظهِ، فروحُ الموتى