مشتركان فيه، كقول الشاعر:
حُجَج تهَافَتُ كالزَّجاج (?) تخَالُها. . . حقًّا وكُلٌّ واهِن مكسُورُ
ومتى كان الأمرُ كذلك، فإنَّ أحدًا من الفريقينِ لا يعتمدُ في مقالتِه التي
نصرَها أصلاً صحيحًا، وإنَّما هو أوضاع وآراءُ تتكافأ وتتقابلُ، فيكثر المقالُ، ويدومُ الاختلافُ، ويقلُّ الصوابُ، كما قال تعالى:
(وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) ، فأخبرَ تعالى أنَّ ما كثرَ فيه الاختلافُ فليسَ من عندِهِ، وهو من أدلِّ الدليلِ على أنَّ مذاهبَ المتكلمين مذاهبُ فاسدة، لكثرة ما يوجدُ فيها من الاختلافِ المفضي بهم إلى التكفيرِ والتضليلِ.
وذكرَ بقيةَ الرسالةَ، وهي حسنة متضمِّنة لفوائدَ جليلةٍ، وإنما ذكرْنا هذا
القدرَ منها ليتبيَّن به أنَ القواعدَ العقليةَ التي يدَّعي أهلُها أنه قطعيات لا تقبلُ
الاحتمالَ، فتردُّ لأجلِها - بزعمِهم - نصوصُ الكتابِ والسنةِ وتصرفُ عن
مدلولاتها، إنما هي عندَ الراسخينَ شبهاتٌ جهلياتٌ، لا تساوِي سماعَها، ولا
قراءتَها، فضلاً عن أنْ يُردَّ لأجلها ما جاءَ عن اللَّه ورسولِهِ، أو يحرفَ شيء
من ذلك عن مواضعِهِ.
وإنَّما القطعياتُ ما جاءَ عن اللَّهِ ورسولِهِ من الآياتِ المحكماتِ البينات.
والنصوصِ الواضحاتِ، فتردُّ إليها المتشابهاتُ، وجميعُ كتبِ اللَّه المنزلةِ متفقة
على معنًى واحدٍ، وإن ما فيها محكماتٌ ومتشابهاتٌ، فالراسخونَ في العلم
يؤمنونَ بذلك كلِّه، ويردونَ المتشابهَ إلى المحكم، ويكلُون ما أُشْكِلَ عليهم