وإنَّما خالفَ فيه طوائفُ أهلِ البدع، من الجهميةِ والمعتزلةِ ونحوِهِم ممَّن
يرد النصوصَ الصحيحةَ لخيالاتٍ فاسدةٍ وشبهاتٍ باطلةٍ، يخيلُهَا لهمُ
الشيطانُ، فيُسرعونَ إلى قَبولِهَا منه، ويوهمُهُم أنَّ هذه النصوصَ الصحيحةَ
تستلزمُ باطلاً، ويسميه تشْبيهًا أو تجْسيمًا، فينفرونَ منه، كمَا خيَّل إلى
المشركينَ قبلَهُم أنَّ عبادة الأوثانِ ونحوِها تعظيمٌ لجناب الربِّ، وأنَّه لا يُتوصلُ
إليه من غيرِ وسائط تعبدُ فتقربُ إليه زُلفًا، وأنًّ ذلك أبلغُ في التعظيم
والاحترام، وقاسَهُ لهم على ملوكِ بني آدم، فاستجابُوا لذلكَ، وقبلوه منه.
هانَّما بعثَ اللَّهُ الرسلَ وأنزلَ الكتبَ لإبطالِ ذلكَ كلِّه، فمن اتَّبع ما جاءوا
به فقد اهتدى، ومنْ أعْرَضَ عنه أو عن شيءٍ منه واعترضَ فقد ضلَّ.
وقولهُ: "كما تروْن هذا القمَرَ"
شبَّه الرؤية بالرؤيةِ، لا المرئي بالمرئي سبحانه وتعالى.
وإنَّما شبَّه الرؤية برؤية البدر، لمعنيين:
أحدهما: أنَّ رؤية القمرِ ليلةَ البدرِ لا يُشك فيه ولا يُمترى.
والثاني. يتسوى فيه جميعُ الناسُ من غير مشقة.
وقد ظنَّ المريسيُّ ونحوُه ممن ضلَّ وافترى على اللَّهِ، أنَّ هذا الحديثَ يُرد.
لما يتضمن من التشبيهِ، فضلَّ وأضلَّ.
واتفقَ السلفُ الصالحُ على تلَقِّي هذا الحديث بالقبولِ والتصديقِ.
قال يزيدُ بنُ هارونَ: من كذَّب بهذا الحديثِ فهو بريءٌ من اللَّهِ ورسولِهِ.
وقال وكيعٌ: مَنْ ردَّ هذا الحديثَ فاحسبوه من الجهميَّةِ.
وكان حسينٌ الجعُفيُّ إذا حدَّث بهذا الحديثِ، قال: زَعَمَ المريسي.