فعل خوطبت به المرأة، ودخلت عليه النون الثقيلة للتأكيد نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً أي صمتا عن الكلام، وقيل: يعنى الصيام لأن من شرطه في شريعتهم الصمت، وإنما أمرت بالصمت صيانة لها عن الكلام مع المتهمين لها، ولأن عيسى تكلم عنها، فإخبارها بأنها نذرت الصمت بهذا الكلام، وقيل: بالإشارة، ولا يجوز في شريعتنا نذر الصمت فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها لما رأت الآيات:
علمت أن الله سيبين عذرها، فجاءت به من المكان القصي إلى قومها شَيْئاً فَرِيًّا أي شنيعا وهو من الفرية.
يا أُخْتَ هارُونَ كان هارون عابدا من بني إسرائيل، شبهت به مريم في كثرة العبادة فقيل لها أخته بمعنى أنها شبهه، وقيل: كان أخاها من أبيها، وكان رجلا صالحا، وقيل: هو هارون النبي أخو موسى وكانت من ذريته، فأخت على هذا كقولك: أخو بني فلان أي واحد منهم، ولا يتصور على هذا القول أن تكون أخته من النسب حقيقة، فإن بين زمانهما دهرا طويلا فَأَشارَتْ إِلَيْهِ أي إلى ولدها ليتكلم وصمتت هي كما أمرت كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا كان بمعنى يكون، والمهد هو المعروف، وقيل المهد هنا حجرها آتانِيَ الْكِتابَ يعنى الإنجيل، أو التوراة والإنجيل مُبارَكاً من البركة وقيل: نفاعا، وقيل: معلما للخير. واللفظ أعم من ذلك وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ هما المشروعتان، وقيل: الصلاة هنا الدعاء، والزكاة: التطهير من العيوب وَبَرًّا معطوف على مباركا، روي أن عيسى تكلم بهذا الكلام وهو في المهد، ثم عاد إلى حالة الأطفال على عادة البشر، وفي كلامه هذا ردّ على النصارى، لأنه اعترف أنه عبد الله، وردّ على اليهود لقوله: وجعلني نبيا وَالسَّلامُ عَلَيَّ أدخل لام التعريف هنا لتقدّم السلام المنكر في قصة يحيى، فهو كقولك: رأيت رجلا فأكرمت الرجل، وقال الزمخشري: الصحيح أن هذا التعريف تعريض بلغة من اتهم مريم كأنه قال: السلام كله عليّ لا عليكم، بل عليكم ضدّه قَوْلَ الْحَقِّ بالرفع خبر مبتدإ تقديره: هذا قول الحق، أو بدل أو خبر بعد خبر، وبالنصب (?) على المدح بفعل مضمر، أو على المصدرية من معنى الكلام المتقدم فِيهِ يَمْتَرُونَ أي يختلفون فهو من المراء، أو يشكون فهو من المرية، والضمير لليهود والنصارى
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي من كلام عيسى وقرئ بفتح الهمزة (?) تقديره ولأن الله ربي وربكم فاعبدوه، وبكسرها لابتداء