فصلٌ
ليعلم المفتي أن الفتوى تتضمَّن القول على الله والتوقيع عنه.
وقد وصف ابن القيم المفتين بصفة الموقِّعين عن الله تعالى في كتابه الذي سماه «أعلام الموقعين عن رب العالمين»، وذكر في أول الكتاب أن أول مَن قام بمنصب التوقيع عن الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يفتي بما أوحاه الله إليه، ثم قام بالفتوى بعده أصحابه رضي الله عنهم.
وقد ذكر ابن القيم عدداً كثيراً منهم ما بين مكثر منهم من الفتوى ومقلّ منها، ثم ذكر المفتين من التابعين ومَن بعدهم من أكابر العلماء والأئمة.
ثم ذكر أن السلف من الصحابة والتابعين كانوا يكرهون التسرع في الفتوى، ويودُّ كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره، فإذا رأى أنها قد تعيَّنت عليه؛ بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين، ثم أفتى.
وذكر أيضاً أقوال الصحابة والتابعين في التحذير من الفتيا بغير علم إلى أن قال: «وقد حرَّم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء، وجعله من أعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا منها:
فقال تعالى: {قُلْ إِنَّما حَرَّم رَبيَ الفَواحشَ مَا ظَهَرَ مِنْها ومَا بَطَن والإْثمَ والبَغْيَ بِغَيْر الحَقُ وأَنْ تُشْرِكوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنزل بِه سُلْطاناً وأَنْ تَقولوا عَلى اللهِ ما لا تَعْلَمون}.
فرتَّب المحرَّمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها، وهو الفواحش، ثم ثنَّى بما هو أشد تحريماً منه، وهو الإثم والظلم، ثمَّ ثلَّثَ بما هو أعظم تحريماً منهما، وهو الشرك به سبحانه، ثم ربَّع بما هو أشدُّ تحريماً من ذلك