على المعيشة، لأن ذلك إنما يقع بعد عقد النكاح والاجتماع الرسمي، فيسميان زوجين، وأما قبل ذلك فيسميان متخاطبين فقط، وبعد مضي أربع عشرة سنة قضت فيها زهرة شبابها معه، وجد امرأة أكثر مالا منها فتزوج بها وتركها تتقطع حسرات.
وهذا نموذج من ألوف من أمثاله، ومن غريب ما وقفت عليه من شؤون المتخاطبين عندهم أن الرجل يخطب المرأة فيتفقان على الزواج، ويبقيان مدة طويلة تعاشران عشرة المتحابين، وهي كما قلنا مخالطة تامة كمخالطة الزوجين، ثم يعقدان النكاح ويجتمعان على الزواج، فلا يلبثان أن تسوء عشرتهما، فيقع الشقاق بينهما ثم يعقبه الفراق.
ومن عجيب ما سمعت من ذلك في مدينة (بن) الألمانية أن متخاطبين بقيا مدة عشرين سنة متعاشرين في غاية الوفاق والوئام، ثم تزوجا، فلم يلبثا إلا سنة واحدة حتى وقع الطلاق بينهما، وكانت تلك السنة كلها خصومات ونزاعا بينهما، فسألت عن سر ذلك فأخبروني أن الرجل والمرأة ما داما متخاطبين يستر كل منهما أخلاقه الحقيقية ويتخلق بغيرها مصانعة وتملقا لصاحبه، مخافة أن يمله ويفسخ الخطبة، فإذا وقعت عقدة النكاح بينهما يسقط كل واحد منهما الكلفة، ويزول التملق، وتنكشف مخبآت الأخلاق والعادات، فيتلوها التنافر ثم النزاع والخصام ثم الطلاق.
وبهذا تعلم أن قول بعض الأغرار من الشرقيين باستحسان مخالطة الخاطب لمخطوبته قبل العقد، وخلوته بها ومعاشرته لها، زاعما أن ذلك يكشف لكل واحد منهما دخيلة الآخر فيقع الاتفاق، فالحب هو أساس الزواج السعيد، إن هذا القول باطل, وحديث خرافة، لأن هذين المتخاطبين لا يمكن لأحد منهما أن يعرف طباع صاحبه الحقيقية إلا بعد إسقاط الكلفة، وذلك يكون بعد العقد، ولأنهما غير معصومين من المباشرة المحرمة وعاقبتها الوخيمة في العاجل والآجل.
ولذلك حرم الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم الخلوة بالأجنبية وقد جاء في الخبر "ما خلا رجل بامرأة، يعني أجنبية، إلا كان الشيطان ثالثهما"، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدخول على المغيبات - يعني النساء اللاتي أزواجهن غائبون - وسئل عن الحمو، وهو أخو البعل، هل يغتفر دخوله على زوجة أخيه وخلوته بها؟، فقال صلى الله عليه وسلم: "الحمو الموت" يريد أنه شر من البعيدة في الخلوة، ونهى صلى الله عليه وسلم أن تسافر المرأة إلا مع زوج أو ذي محرم، كل ذلك كان منه محافظة على العرض والنسب