الشيخ: بين المؤلف في هذه القطعة أن البكاء غير مكروه وهذا إذا جاء بمقتضى الطبيعة أما مع التقصد فلا لكن إذا جاء بمقتضى الطبيعة فإنه لا بأس به ولا سيما إذا كان الحامل عليه الرحمة دون فقد الأحباب لأنه قد يؤجر على هذا لأن الراحمين يرحمهم الرحمن عز وجل ثم استدل لذلك بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على سعد بن عبادة فوجده في غاشية بكى وبكى أصحابه وقال ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم متفق عليه لكن استثنى المؤلف أن لا يكون معه ندب ولا نياحة والندب هو تعداد محاسن الميت والنياحة أن يبكي بكاءً يشبه نوح الحمام لأن البكاء الذي يشبه نوح الحمام هذا مقصود فيه أن الإنسان يبكي على وجه يعرف به عدم الصبر على هذه المصيبة أما الأحاديث التي ذكرها أيضاً حين قال لا يجوز لطم الخدود ولا شق الجيوب ولا الدعوى بدعوى الجاهلية فإن ذلك يحدث عند المصائب في الجاهلية بل وفي الإسلام أيضاً ولكن هذا تبرأ منه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولعلكم تتعجبون أن يلطم الإنسان خده عند المصيبة لكنه لشدة المصيبة ينفعل حتى يلطم الخد كذلك شق الجيب لشدة المصيبة يشق جيبه وهذا ينبئ عن عدم الرضا وعدم الصبر والدعاء بدعوى الجاهلية أن يقول يا ويلاه يا ثبوراه وما أشبه ذلك أما حديث أنه (برئ من الصالقة والحالقة والشاقة) الصالقة التي ترفع صوتها بالندب أو بالنياحة والحالقة التي تحلق شعرها وكانوا في الجاهلية إذا أصيبت المرأة تحلق شعرها لأن اتخاذ الشعر عندهم أمر مطلوب محبوب ولهذا لم يكلف الله المرأة أن تحلق رأسها في النسك ولا أن تقصره تقصيراً بالغاً بل بقدر أنملة فقط وأما الشاقة فهي التي تشق الجيب.