أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، عَزَمَ عَلَى أَدَاءِ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ مَتَى زَالَتْ عَنْهُ الْعِلَّةُ الْمَانِعَةُ لَهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] فَسَمَّاهُمْ مُحْسِنِينَ نَصِيحَتُهُمْ لِلَّهِ بِقُلُوبِهِمْ لَمَّا مُنِعُوا مِنَ الْجِهَادِ بِأَنْفُسِهِمْ، وَقَدْ يَرْفَعُ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا عَنِ الْعَبْدِ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ، وَلَا يَرْفَعُ عَنْهُمُ النُّصْحَ لِلَّهِ لَوْ كَانَ مِنَ الْمَرَضِ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُهُ عَمَلٌ بِشَيْءٍ مِنْ جَوَارِحِهِ بِلِسَانٍ وَلَا غَيْرِهِ، غَيْرَ أَنَّ عَقْلَهُ ثَابِتٌ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ النُّصْحَ لِلَّهِ بِقَلْبِهِ وَهُوَ أَنْ يَنْدَمَ عَلَى ذُنُوبِهِ، وَيَنْوِي إِنْ يَصِحَّ أَنْ يَقُومَ بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَيَتَجَنَّبُ مَا نَهَاهُ عَنْهُ، وَإِلَّا كَانَ غَيْرَ نَاصِحٍ لِلَّهِ بِقَلْبِهِ، وَكَذَلِكَ النُّصْحُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِيمَا أَوْجَبَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى أَمْرِ رَبِّهِ. وَمِنَ النُّصْحِ الْوَاجِبِ لِلَّهِ أَنْ لَا يَرْضَى بِمَعْصِيَةِ الْعَاصِي، وَيُحِبُّ طَاعَةَ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَمَّا النَّصِيحَةُ الَّتِي هِيَ نَافِلَةٌ لَا فَرْضٌ: فَبَذْلُ الْمَحْمُودِ بِإِيثَارِ اللَّهِ عَلَى كُلِّ مَحْبُوبٍ بِالْقَلْبِ، وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِي النَّاصِحِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ النَّاصِحَ إِذَا اجْتَهَدَ لِمَنْ يَنْصَحُهُ لَمْ يُؤْثِرْ نَفْسَهُ عَلَيْهِ، وَقَامَ بِكُلِّ مَا كَانَ فِي الْقِيَامِ بِهِ سُرُورُهُ، وَمَحَبَّتُهُ فَكَذَلِكَ النَّاصِحُ لِرَبِّهِ، وَمَنْ تَنَفَّلَ لِلَّهِ بِدُونِ الِاجْتِهَادِ فَهُوَ نَاصِحٌ عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِ غَيْرُ مُحِقٍّ لِلْنُصْحِ بِالْكَمَالِ