وهو موضع نزاع بين العلماء طويل. والحق ان هذه الآيات نزلت من عند الله، من أنكر شيئاً منها كفر. وان من عطلها تماما، فجعلها لفظا بلا معنى كفر. ومن فهمها بالمعنى البشري، وطبقه على الله فجعل الخالق كالمخلوق كفر والمسلك خطر، والمفازة مهلكة، والنجاة منها باجتناب الخوض فيها، واتباع سنن السلف، والوقوف عند حد النص، وهذا ما أدين الله به، وما أعقتده.
غاية العبادة
القلب الذي يؤمن بأن النفع والضرر كله من الله، وان التحليل والتحريم لله، وان الحب المطلق والخوف المطلق والطاعة المطلقة لله، يمتلئ بتعظيم الله، ويستعشر معنى (الله أكبر)، فيصغر معه كل شيء في جنب الله.
ولما كان في أعمال الانسان ما يدل على التعظيم المطلق، كالدعاء والصلاة، والركوع والسجود، والنذر والذبح، والتسبيح والتهليل. فان المؤمن لا يصنعها الا الله، فلا يصلي لسواه، ولا يركع ولا يسجد الا له، ولا يقول لأحد غيره: سبحانك، ولا يطلب غفران الذنوب إلا منه، لأن هذه كلها من مظاهر التعظيم المطلق، الذي هو سرّ العبادة.
ومن أعظم مظاهره الدعاء، والدعاء في اللغة النداء، والشرع لا يمنع أن تدعو (أي تنادي) انسانا حيا يسمع صوتك، ليعينك بعلمه أو قوته، على جلب النفع لك، وليس هذا هو الدعاء الذي نتكلم عنه، بل الدعاء الذي نقصده هنا، والذي هو مخّ العبادة، هو طلب جلب النفع ودفع الضرر بلا سبب مادي ظاهر، وهذا الذي لا يوجّه الا الله وحده، رأسا بلا واسطة، فلا يطلب الشفاء نفسه من الطبيب ولو كان حيا، لأن الطبيب يصف الدواء والشفاء من الله، فأولى الاّ يطلبه - أو يطلب ما يشابهه - من ميت أو من جماد، لأنه لا يمنح النفع بلا سبب ظاهر الا الله.