بد من التنبيه على ان حب الله ليس معناه نظم قصائد الغزل بالله كما فعل ابن الفارض، ولا تسميته بالعشق الالهي كما نسبوا إلى رابعة العدوية.
وخوف الله ليس معناه الفزع المؤدي إلى الكره، ولا الجزع الموصل إلى الاختلال، بل ان حب الله بطاعته وإيثار مرضاته على شهوات النفس، ووساوس الشيطان، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به:
{قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني ... }
فالاتباع هو مقياس الحب، وخوفه باجتناب محرماته، وايثار لذة الثواب في الآخرة، على لذة المعصية في الدنيا.
ثم ان الطاعة لله ليست كالطاعة لمخلوقاته، فنحن نطيع بعض البشر اما امتثالا لأمر الله كطاعة الرسول، او استجابة لدواعي الطبع، أو خوفا من الخطر. فالشعب يطيع الحاكم، والولد يطيع الوالد، والمرأة تطيع الزوج، والانسان يطيع من أحسن اليه اذا أمره بما لا يضره، وقد يكره أحدنا على الطاعة فيطيع خوفا من الأذى، ولكن هذه كلها (عدا طاعة الرسول فهي من طاعة الله) كلها طاعة محدودة، ليست الطاعة المطلقة التي لا حد لها، لأن الطاعة المطلقة لله، الطاعة في كل شيء، الطاعة فيما يسرنا وما يسؤونا، فيما نفهم حكمته وما لا نفهم حكمته، وهذه الطاعة هي ثمرة حب الله، وهي الدليل عليه.
توحيد الألوهية
لقد اجتنبت في هذا الكتاب الخوض في المسائل الكلامية، وأعرضت عن سرد اختلافات المتكلمين، ولكن مسألة (آيات الصفات) قد طال فيها المقال، وكثر الجدال، ولا بد من بعض البسط للكلام فيها.
لقد وصف ربنا نفسه في القرآن بألفاظ موضوعة في الأصل للدلالة على معانٍ أرضية، ومقاصد بشرية، مع أن الله ليس كمثله شيء، وهو الرب الخالق، تعالى عن أن يشبه المخلوقين. ولا يمكن أن تفهم هذه الألفاظ حين اطلاقها على الله، بالمعنى نفسه الذي تفهم به حين اطلاقها على المخلوق.