الأرض في الظلام، فما هذا الاله الذي يمضي، ويتخلى عن ملكه؟ .. كلا ليست الشمس إلهاً خلقني، ولا هذه الموجودات آلهة، ولا أنا الاله. أنا ما خلقت نفسي، ولا خلقت من غير شيء، فلم يبق الا احتمال واحد، هو الصحيح، هو الحق وما عداه باطل: هو ان وراء هذه الجمادات كلها، إلهاً قادراً عظيما هو الذي أوجدها وأوجدني وأوجد كل شيء.
هذا الدليل هو الذي عرض له القرآن. في جملة واحدة - هي معجزة من معجزات البيان الرباني، ضربة قاضية على من يخضع للعقل، ويحترم التفكير من الملحدين، هي قوله تعالى:
{أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون}؟ ّ!
كان السخفاء من الملحدين، من أرباع المتعلمين، يقولون: (الطبيعة)، الطبيعة أوجدت الانسان، الطبيعة وهبت العقل للانسان. وكان من المعلمين من يقول لنا هذا ونحن صغار. في أيام الحرب الأولى وفي أعقابها، من المعلمين الذي شموا رائحة التمدن الجديد، من (اسطنبول) اولا (وباريس) ثانيا، فحسبوا أنهم صاروا يعدون بذلك من (المنورين)، وكانت كلمة (المنورين) في تلك الأيام، مثل كلمة (التقدميين) الآن. ولكل زمان ألفاظ يضحكون بها علينا، كما كانوا يضحكون على ذقون الهنود الحمر في اميركا بالخرز والثياب الملونة، ليأخذوا بدلا منها بلادهم.
وكبرنا بعد، وسألنا: ما (الطبيعة)؟ ان كلمة الطبيعة في اللغة على وزن (فعيلة) وهي بمعنى (مفعولة)، فاذا كانت مطبوعة فمن (طبعها)؟.
قالوا: الطبيعة هي المصادفة .. قانون الاحتمالات.
قلنا: هل تعرفون ما مثال هذا الكلام؟
مثاله: اثنان ضاعا في الصحراء، فمرا على قصر، كبير عامر فيه الجدران المزخرفة المنقوشة، والسجاد الثمين، والساعات والثريات.
قال الأول: ان رجلا بنى هذا القصر وفرشه.