كتاب تافه، أو عمل يشغل نفسه، ويصرم فيه عمره، كأن نفسه عدو له يكرهه، وينفر منه. وكأن عمره - وهو رأس ماله - حمل على عاتقه، يرمي به ليتخلص منه.
أنظر إلى أكثر الناس تجدهم يأكلون ويشربون، وينامون ويستيقظون. يحرصون على اللذة، ويبتعدون عن الألم، يبتغون الخير في الدنيا لأنفسهم وأهلهم ومن يحبون. يصبح الواحد منهم فينظف جسده، ويرتدي ثيابه، ويتناول طعامه، ويغدو إلى عمله، يعمل لجمع المال ويستزيد من الربح، ثم يعود إلى داره، فيتغذى ويستريح. ثم يعود إلى العمل، أو يعمد إلى التسلية. يفتش عما يملأ به الفراغ، ويضيع به الوقت، ويقطع به العمر، حتى يعاوده الجوع فيأكل، أو يدركه النعاس فينام. ثم يستقبل يوماً جديداً، فيعيد فيه (برنامج) اليوم الذي مضى. يذكر ماضيه، وما ماضيه الا الأيام التي أحس أنه عاشها في هذه الدنيا، ويفكر في مستقبله، وما مستقبله الا الأيام التي يقدّر أنه يعيشها في هذه الدنيا.
أما المسلم، فلا يكتفي من الحياة بأن يأكل ويشرب، ويعمل ويتسلى، بل يسأل نفسه، من أين جئت؟ وإلى أين أسير؟ ما المبدأ؟ وما المصير؟ ينظر فيجد ان حياته لم تبدأ بالولادة حتى تنتهي بالموت. يرى انه كان جنينا في بطن أمه قبل أن يولد، وكان حُوَيْناً منويا في ظهر أبيه قبل أن يَسْتَجِنّ. وكان قبل ذلك دما يجري في عروق هذا الأب. وهذا الدم جاء مما تناول من الغذاء، وهذا الغذاء كان نباتا نبت من الأرض، او حيوانا تغذى من النبات .. أطوار مرّ بها قبل الولادة لا يعرف عنها شيئا، سلسلة طويلة، فيها حلقات قليلة واضحة، وباقيها يحجبه عن عيوننا الظلام، فكيف يوجد نفسه بعقله وارادته وقد كان موجودا، قبل أن يكون له عقل وارادة؟
ان الواحد منا لا يعرف نفسه قبل بلوغه الرابعة من عمره، لا يذكر أحد منها مولده. من يذكر مولده؟ من يذكر أيامه لما كان في بطن أمه؟ فاذا كان موجودا