ذلك ان الاله لا يكون الا عادلا، والعادل لا يقرّ الظلم، ولا يدع الظالم بغير عقاب - ولا يترك المظلوم من غير انصاف، ونحن نرى أن في هذه الحياة من يعيش ظالما ويموت ظالما لم يعاقب - ومن يعيش مظلوما ويموت مظلوما لم ينصف - فما معنى هذا؟ وكيف يتم هذا ما دام الله موجودا - وما دام الله لا يكون الا عادلا؟ معناه أنه لا بد من (حياة اخرى) يكافأ فيها المحسن. ويعاقب المسيء.

وان (الرواية) لا تنتهي بانتهاء هذه الدنيا، ولو انه عرض (فلم) في الراني (التلفزيون)، فقطع من وسطه وقيل (انتهى)، لما صدق أحد من المشاهدين انه انتهى، ولنادوا ماذا جرى للبطل؟ وأين تتمة القصة؟ ذلك لأنهم ينتظرون من المؤلف أن يتم القصة، ويسدد حساب أبطالها. هذا والمؤلف بشر، فكيف يصدق عاقل، ان (قصة) الحياة تنتهي بالموت؟ كيف؟ ولم يسدد بعد الحساب، ولا اكتملت الرواية؟ فأيقن العقل من هنا، ان لهذا الكون ربا، وان بعد الدنيا آخره.

وان ذاك العالم المجهول، الذي لمحت الروح ومضة من نوره في الاغنية الحالمة، والقصة البارعة، واستروحت نفحة من عطره، في ساعة التجلي، ليس عالم المثل (?) الذي كان خيالا صاغه أفلاطون، ولكنه عالم الآخرة، الذي هو حقيقة أبدعها خالق افلاطون. ورأى أن أكبر لذائذ الدنيا، لذة الوصال، لا تدوم الا نصف دقيقة، فعلم أنها ليست الا مثالا من لذات الآخرة، انها لقمة من الطعام تذوقها، فان اعجبك اشتريت منه فأكلت حتى شبعت. انها نموذج تجاري (?)، تراه فان ارتضيته طلبت البضاعة. ان هذه اللذة التي لا تدوم الا نصف دقيقة، مثال مصغر للذات العالم الآخر، التي تدوم ابدا، والتي لا حد لها تقف عنده، والتي تبقى (لذة) دائما، لا تصير (عادة)، كما تصير اللذات في الدنيا عادات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015