الخيال عند علماء النفس خيالان: خيال مرجع، كتخيلي الدار في دمشق، وأنا في مكة، وخيال مبدع، هو خيال الشعراء والقصاصين والرسامين، وسائر أهل الفنون. فانظروا إلى خيالات هؤلاء الفنانين، هل جاؤوا بشيء غير ما في الواقع؟ الذي نحت تمثال (فينوس) جاء بصورة لم نر من يماثلها تماماً، ولكن هل كانت جديدة، أم أخذ أجزاء من الواقع، فألف بينها؟ أخذ أجمل انف رآه، وأجمل فم، وأجمل جسم، فجمع هذا إلى ذاك، فجاء بجديد، ولكن هذا الجديد مؤلف من أجزاء قديمة.

وتمثال الثور المجنح الأشوري في متحف باريس، ما فيه الا ان ناحِتَهُ أخذ رأس رجل فوضعه على جسد ثور، ووضع له أجنحة طائر. صورة جديدة ولكنها مؤلفة من أجزاء قديمة.

وكذلك الحيوان العجيب الذي تخيله القزويني، وخيالات الشعراء مهما أوغلت في باب الاستعارة والتشبيه والكناية - والمبالغات العجيبة، لا تخرج عن كونها جمعا بين أجزاء متفرقة في الواقع.

بل اننا اذا أوغَلْنا في الاغراب في جمع هذه الاجزاء، نجد الخيال نفسه قد عجز عن الالمام بهذا الجمع، خذوا - مثلا - جزءاً من عالم اللون، وجزءا من عالم الصوت: فقولوا ان فلانا المغني قد غنى نغمة معطرة بعطر الورد، او أن العطر الفلاني له رائحة لونها أحمر، واعرضوا هذه الصورة على خيالكم، تجدوا أنكم لم تستطيعوا أن تتخيلوها، مع أنها جميعا ما خرجت عن عالم الواقع.

فنحن لا نستطيع أن نتخيل نغمة عطرة، ولا رائحة حمراء، ولا نتصور الا الابعاد الثلاثة (الطول والعرض والارتفاع)، لا نستطيع أن نتصور بعداً رابعاً (?) ولا دائرة ليس لها محيط، ولا مثلثا ليس له زوايا. فكيف (اذن) نتخيل الآخرة وما فيها، وهي عالم يختلف عن عالمنا؟ ان الآخرة بالنسبة لهذه الدنيا، كالدنيا بالنسبة لبطن الجنين، لو أمكن أن نتصل بالجنين ونسأله وأمكن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015