فإن رأيت الغمام قد ازداد وتراكم، واسود وتراكب، وخرج البرق يلمع من خلاله، وازداد ظنك بنزول المطر في الطائف، فصار (نعم) سبعون أو خمس وسبعون في المئة، وكان هذا ما يسميه علماؤنا بـ (غلبة الظن)، فأنت تقول لسائلك: يغلب على ظني ان في الطائف الآن مطرا.
فإن أنت ذهبت إلى الطائف، فرأيت المطر بعينك، وأحسست به على وجهك أيقنت بنزوله، وعلماؤنا يسمون هذا اليقين (علما).
فصار لكلمة (العلم) معان: (العلم) المطلق الذي يقابل الجهل، (والعلم) الذي يقابل الفن والفلسفة. فالكيمياء علم، والفيزياء علم. أما الرسم فهو فن، والشعر فن. والعلم بهذا المعنى هو الذي تكون غايته الحقيقة، وأداته العقل، ووسيلته المحاكمة، والتجربة، والاستقراء. والفن هو الذي تكون غايته الجمال، وأداته الشعور، ووسيلته الذوق.
(والعلم) الذي يجيء بمعنى اليقين، ويقابل الشك والظن، هو الذي نقصده في هذا البحث (?).
العلم الذي يحصل بالحس والمشاهدة، لا يحتاج إلى دليل. الجبل الذي تراه أمامك لا تحتاج إلى إقامة الدليل على وجوده، انك تعلم - ضرورة - بأنه موجود، وكل من يراه (من العقلاء) يعلم أنه موجود.
وهذا ما يسمى (العلم الضروري)، أما العلم بأن مربع الوتر (في المثلث القائم الزاوية) يساوي مجموع مربعي الضلعين القائمين، فيحتاج إلى دليل عقلي، فالعالم أو طالب العلم الذي يصل إلى الدليل، يعلم هذه الحقيقة، أما العامي الجاهل فلا يعلمها،