على أن تعوضهم عنها وعما فيها، ببيوت مفورشة، في أي بلد يريدون من البلدان، على أن يعلنوا استعدادهم لاخلائها، واحصاءهم لما فيها، قبل موعد كذا (وحددت لهم موعدا) ثم تأتي الطيارات فتحملهم من الجزيرة.
فمنهم من أعلن الاستعداد للاخلاء، وقدم الاحصاء قبل الموعد، ومنهم من أهمل وأجل حتى قرب الموعد، ومنهم من قال: هذا كله كذب. ما في الوجود مكان اسمه اميركا. وما الدنيا الا هذه الجزيرة. ولسنا نتركها، ولا نرضى أن نفارقها، ونسي أن الجزيرة ستنسف كلها فتكون أثرا بعد أن كانت عيناً.
هذا مثل الدنيا، والاول مثل المؤمن الذي يفكر في آخرته، ويستعد بالتوبة والطاعة دائما للقاء ربه، والثاني مثل المؤمن المقصر العاصي، والثالث مثل المادي الكافر، الذي يقول: انما هي حياتنا الدنيا، لا حياة بعدها، وان الموت نوم طويل، وراحة دائمة، وفناء محقق ..
وليس معنى هذا ان الاسلام من المسلم، أن يزهد في الدنيا مرة واحدة، وينفض أصابعه منها، ولا أن يسكن المساجد فلا يخرج منها، ولا أن يأوي إلى مغارة يمضي حياته فيها، لا .. بل ان الاسلام يطلب من المسلمين أن يكونوا في الحضارة الخيرة سادة المتحضرين، وفي المال أغنى الاغنياء، وفي العلم - العلم كله - أعلم العلماء، وأن يعرف كل مسلم حق جسده عليه بالغذاء والرياضة، وحق نفسه بالتسلية والاجمام والمتعة بغير الحرام. وحق أهله بالرعاية وحسن الصحبة، وحق ولده بالتربية والتوجيه والعطف، وحق المجتمع بالعمل على كل ما يصلحه، كما يعرف حق الله بالتوحيد وبالطاعة.
يجمع المال ولكن من الحلال، ويستمتع بالطيبات المباحة، ويكون في الدنيا على أحسن ما يكون عليه أهلها، بشرط أن يبقى صحيح التوحيد، لا يداخل ايمانه شرك ظاهر أو خفي، صحيح الاسلام، يدع المحرمات، ويأتي الفرائض، وأن يكون المال في يده لا في قلبه، لا يكون اعتماده عليه، بل يكون اعتماده على ربه، وأن يكون رضا الله هو مقصده ومبتغاه.