لحواسنا نعتمد عليها وحدها، ولعقولنا نحكم بها على ما جاء من طريق الحواس فقط، لبقينا على جهلنا بما وراء المادة، فكان من حكمة الله، ومن رحمته بنا، انه لم يترك العقل في عجزه عن ادراكها، بل أخبره بما يحتاج اليه من خبرها.
وهذا الاخبار لا يأتي من داخل النفس بل من خارجها، وليس من قبيل الحدس النفسي، ولا الإلهام الروحي، ولا الوميض الذهني، ولا الاستنتاج العقلي. ليس صادراً عن الطاقة الانسانية، ولكنه آت من خارجها بطريق من الطرق الثلاثة:
الأول- أن يضع الله هذه الاخبار في الانسان، بالهام أو بمنام، أو بنوع من التلقي الذي لا عمل فيه للانسان، ولا يستطيع الوصول اليه باجتهاد، فيحس بها، ويعبر عنها.
الثاني- بأن يسمعها من غير أن يرى قائلها الحقيقي، فتصل إلى اذنه ويدركها ويعيها.
الثالث- (وهو الأعم الأكثر) أن يرسل الله واحدا من مخلوقاته الخيرة، المطيعة المغيبة عنا، التي تسمى الملائكة، إلى واحد من البشر، يختاره الله ويصطفيه، فيبلغه رسالة الله، ويأمره أن يبلغها الناس.
فهذه ثلاثة طرق ليس لها رابع.
{وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله الا وحياً أو من وراء حجابٍ أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء}.
الإيمان بالغيب
والغيب الذي هو ركن الإيمان، والذي يكفر منكره ويخرج من ملة الاسلام، هو ما جاء في القرآن. أما الغيب الذي ورد في السنة الصحيحة، فلا يكفر منكره ويخرج من الملة، بل يفسق.
وهذا الفرق بين الكتاب والسنة يحتاج إلى شيء من البيان، ذلك أن ما