والذي يَعْنيني في هذا المبحث ما حصل بين علي - رضي الله عنه - ومعاوية - رضي الله عنه -، ثم ما حصل بعد ذلك بين الحسن بن علي - رضي الله عنه - وبين معاوية - رضي الله عنه - كامتداد للخلاف السابق، مِمَا له صلة ببحث تعدد الخلفاء، ولَمَّا كان هذا الخلاف قد حصل في فترة الخلفاء الراشدين - الذين أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالاقتداء بهم بقوله: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» (?) - فإن له أهمية فقهية وليس مجرد حدث تاريخي، فَفِعْلُ الخلفاء الراشدين صارت له صفة شرعية بسبب هذا الحديث، وهذا كان فهم الشافعي (?) عندما قال: «أُخِذَتْ السيرة في قتال المشركين من النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي قتال المرتدين من أبي بكر - رضي الله عنه - وفي قتال البغاة من علي - رضي الله عنه -» (?).
ولَمَّا كان ما حدث من فتنة بين سيدنا علي - رضي الله عنه - ومعاوية - رضي الله عنه -، له جذور وامتداد إلى ما حصل في خلافة سيدنا عثمان - رضي الله عنه - حتى قال بعض العلماء: لا شك أنَّ الدماء المهراقة عقب قتل عثمان - رضي الله عنه - والملاحم بين علي - رضي الله عنه - ومعاوية - رضي الله عنه - كانت عقوبة من الله على قتل عثمان - رضي الله عنه - (?)، فقد انفتح باب الشر من يومئذ؛ لذا كان لا بد من تناول هذه الفترة أيضاً بالبحث، بالقدر الذي يساعدنا على فهم الأحداث التي حصلت بعد ذلك، والتي جاءت على الشكل التالي:
إن تقارب المكانة بين علي - رضي الله عنه - وبين عثمان - رضي الله عنه -، ثم الطريقة التي وضعها سيدنا عمر - رضي الله عنه - لاختيار خليفة من بين أهل الشورى الستة، حرك تنافساً بين سيدنا عثمان - رضي الله عنه - وبين سيدنا علي - رضي الله عنه -، الأمر الذي انعكست آثاره على طبيعة العلاقة بينهما، وعلى الخلاف بين معاوية - رضي الله عنه - وبين علي - رضي الله عنه - فيما بعد، وبيانه: