- رضي الله عنه -، ولكن مع تحذيرهما من أن يفعلا شيئاً يهدد استقرار الدولة الإسلامية، ويبدو من تحليل الأحداث في بداية خلافة سيدنا علي - رضي الله عنه - أنه كان بعيداً عن حيل السياسة، لا يقبل إلا الصدع بالحق ولو أدى ذلك إلى ما أدى إليه، وكان في مقابله خصوم دهاة برعوا بالسياسة، كمعاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة - رضي الله عنهم - (?)، والفتنة كانت تتطلب شيئاً من السياسة والمداراة حتى تهدأ الأمور وهذا ما أقسم سيدنا علي - رضي الله عنه - على عدم فعله، فجرى ما جرى مما شاء الله من المقدور (?).

ومما يدل على صعوبة الفتنة وشدتها أن علياً - رضي الله عنه - لما أراد أن يخرج لقتال أهل الشام، وكان يتجهز لذلك، جاءه خبر طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنهم - من مكة وعزمهم الإصلاح بين الناس والطلب بدم عثمان - رضي الله عنه - (?)، ثم جاءه أنهم يريدون الخروج إلى البصرة، فاعتبر أن الأمر قد أصبح خطيراً، فدعا الناسَ إلى الخروج إليهم، والناس واقعون في حيرة من أمرهم وليسوا متأكدين مما ينبغي فعله، ثم جاءته إشاعة كاذبة - والأجواء كانت مهيأة لذلك وبسهولة - أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - خرج إلى الشام، فانتدب عليٌ - رضي الله عنه - الناسَ للخروج في طلبه وسدِّ الطريق عليه، ثم تبين له أن الأمر لم يكن كذلك وأنه خرج إلى مكة يريد العمرة.

مما سبق نستخلص أن سيدنا علياً - رضي الله عنه - كان واقعاً تحت ضغط شديد، تُحركه الأخبارُ في كل اتجاه، فتارة يدعو إلى قتال أهل الشام ثم يدعو إلى قتال طلحة والزبير وأم المؤمنين - رضي الله عنهم -، ثم يدعو إلى ملاحقة ابن عمر - رضي الله عنه - ومنعه من الخروج إلى الشام، وهذا كلُّه يدل على إرادته حل الأمور دفعة واحدة بقطع النظر عن سياقها وعن صعوبة ما نزل بالمسلمين من قتل عثمان - رضي الله عنه -، ولعل تشتت الأمر عليه بهذه الصورة ألجأه إلى الاستعانة بمن قتل عثمان - رضي الله عنه - وهم العصبة القريبون منه، وتكرر هذا عندما دعا أهلَ الكوفة لنصرته على طلحة والزبير فخفَّ إليه كل من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015