ولا يقف فضل الصحافة الشعبية عند هذا الحد، فهي تدعو إلى تعليم الشعب وإنشاء الجمعيات الخيرية لتحقيق هذا الغرض، وتفتح صدرها لأخبار هذه المدارس الشعبية والجمعيات الخيرية وتتحدث عنها تصف حفلاتها وتقدم للجمهور بالثناء رجالها، وتمجد جماعة مصر الفتاة وهي جماعة تكونت في نهاية عصر إسماعيل للنهضة بشئون التعليم ففتحت المدارس الليلية وتطوع شبابها لتعليم الجماهير1.
وتلاحظ الصحف الشعبية الشئون الداخلية الصغيرة فلا تغفل حادث عمدة أو مأمور يتبين لها أنه لم يؤد وظيفته أداءً حسنًا وتشير على الحكومة بجزائه وعقابه ثم تلفت نظرها إذا تداعت قنطرة أو غرقت أرض زراعية حتى تقوم الحكومة برأب الصدع وسد المياه وتعويض أصحاب الأراضي الغارقة2.
ويتولى مكاتبوها في المدن والأقاليم موافاتها بمثل هذه الأنباء برقًا وبريدًا، وبذلك أصبحت الصحافة الشعبية رقيبة على الحوادث الصغيرة كرقابتها على الحوادث الكبيرة، وقد خصصت هذه الصحف جزء منها لنشر بعض القصص المترجمة عن الكتب الأدبية الفرنجية أو نشر الكتب التاريخية ككتاب الجبرتي أو بعض الرسائل اللطيفة، وهي في ذلك تقلد الصحف الفرنجية في مصر كما أنها حفلت بالموضوعات الاجتماعية والعلمية والطبية3 والمقالات التاريخية وغيرها في علمي النفس والمنطق4 وقد جادل بعضها بعضًا في هذه المسائل العلمية.
ومن أجمل ما حفل به تاريخ هذه الصحافة أنها كانت بعيدة أشد البعد عن التعصب الديني ولم تبحث يومًا في موضوع يثير هذه الناحية التي تبرأت منها القضية المصرية في ذلك الوقت، وكان المصريين يشعرون بجانب هذه