وقد يبدو غريبًا ألا تكون للشئون الزراعية أو التجارية جريدة مماثلة لصحف النظم الإدارية والعسكرية، مع أن هذه الشئون قد شغلت الدولة كما شغلها الجيش وتجديده، فقد حفلت محفوظات عابدين بمئات الأوامر واللوائح والقوانين التي تتصل بتقوية جسور النيل وتنظيم البلاد الواقعة على شاطئيه والعناية بالري وزراعة الأثمار وغرس الأشجار، ومراقبة مياه المحمودية، ونظام بيع المحصولات وما إلى ذلك من الموضوعات التي تتصل بالزراعة والتجارة1.
وأهم الوثائق التي تنتظم أغراض الباشا في التجارة والزراعة تبدو من أمره الخطير بإنشاء بنك في الإسكندرية "مثل بنوكة الممالك المتمدنة ويكون له امتياز وسلطة في تسعير العملة المصرية والعملة الأجنبية والأوراق وتسعير سائر أصناف الزراعة والتجارة الجاري الأخذ والعطاء فيها سواء كانت بالمزايدات أو بالممارسة أو بالإعلانات، وفتح اعتمادات وقبول التحاويل والرجع الميرية لما فيه من إزالة الضرر واتساع نطاق التجارة"2.
وفي انتظام شئون الزراعة واتساع المجال في الحياة التجارية كما رأينا ما يبرر إنشاء صحيفة لهما تكون على غرار ما كان للجيش، ولعل الوالي قد وجد في الوقائع كفاء لهذا بما اعتادت نشره من هذه الأخبار، ولعل الفترة التي تحرجت فيها الأمور بينه وبين السلطان، وهي تقع بين سنتي 1833 - 1840 لم تتح له الانصراف التام إلى مثل هذه الشئون الجزئية إن صح التعبير، فقد كان كل شيء في خدمة الجيش، فإذا انجلت الأمور عن معاهدة لندن واستقرت الأحوال بين القاهرة والأستانة انصرف جهد الحكومة عن الجيش