ويصور هذا الاتجاه أديب إسحاق وأقرانه من الصحفيين المتمصرين، ويرى الشيخ محمد عبده هذا الرأي في "العروة الوثقى" وإن جعل مصريته أكبر من عروبته، ثم هدأت هذه النعرة بعدئذ، وإن بقيت بعض الصحف المصرية واضحة الميول نحو الفكرة العربية، وخلا هذا التفكير من صحافة الحزب الوطني الذي زاوج بين الأماني المصرية والتركية وأنكر فكرة العروبة في مجهوداته؛ لأنها تتعارض مع السلطنة العثمانية، ثم عادت فكرة العروبة في الصحافة المصرية بعد الحرب العظمى غير أن القومية المصرية كانت شيئًا لا يقاوم ولا يغلبه أي معنى من المعاني الأخرى، وأصبح الصحفيون الأحرار لا يرون مصر جزءًا من البلاد العربية بل جزءًا من الشرق الأدني له الصدارة التي لا يغلبه فيها شعب من الشعوب الشرقية، وذلك لجهاده الطويل الشاق ومكانه المقدور له من الحياة الدولية العامة.

والمسألة الثانية التي تتميز بها صحافة مصر أنها عاشت صحافة رأي مذهب ويؤكد هذه الحقيقة التاريخية اتجاه التشريع الخاص بها إلى التزمت والتضييق وهذه الاضطهادات التي لقيتها منذ نشأتها إلى اليوم وهي كثيرًا ما فنيت في مذهبها وصرعت لرأيها، ولعلها من هذه الناحية تفضل صحافة بعض الدول الغربية التي سيطرت عليها تيارات خفية من الرشا وشراء الضمائر، غير أن المصاعب المالية -وهي نقطة الضعف في صحافتنا- لم تبق على كثير من الصحف الحرة التي تزين تاريخ الصحافة المصرية، وقد تبقيت صحافتنا قوة ينكرها الأجانب في مصر والخارج، وأكبر الظن أن هذه النظرة إلى الصحافة المصرية قد تغيرت بعد الثورة العرابية، وآية ذلك أن "العروة الوثقى والمؤيد" وصحف الحزب الوطني أفسدت على الإنجليز هدوءهم فمنعوا دخولهم جميعًا في السودان أو في مستعمراتهم المختلفة، وكذلك كان موقف فرنسا وإيطاليا منها في إيالاتهما المتباينة، وهي قوة لا شك في قدرها إذا علمنا أن صحافتنا المصرية تقرأ في بلاد الشرق الأدنى أكثر مما تقرأ صحافة تلك البلاد، وفي ذلك ما يؤيد قوتها ويعلن خطرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015