وقد سعدت الصحافة المصرية بهذا الأديب النادر المثال، حيث طلق مهنة التدريس وسلك طريقها، فبدأ عمله الصحفي في جريدة "الأهالي" حين كانت تصدر في مدينة الإسكندرية ثم زامل المرحوم أمين الرافعي في تحرير جريدة "الأخبار" وظل يعمل بها ردحًا من الزمن، أثر عنه فيها جولات أدبية وسياسية ملحوظة العناية، محفوظ القدر في سجل الحركة الوطنية والأدبية على السواء.
وعلى عام 1925 اختير رئيسًا لتحرير جريدة "الاتحاد" ومضى في توجيهها عامين، كان هو كل شيء فيها، ولم تستكمل هذه الصحيفة عناصر النجاح لظروف مصر الخاصة حينئذ، لذلك تركها الأديب الكاتب واشتغل مدة أخرى في تحرير جريدة "الكشاف" إلى أن استقر به المطاف سنوات في جريدة السياسة، وتبدو آثاره الصحفية الرائعة، لا في السياسة اليومية، وإن كان له فيها جولات ممتازة، بل في السياسة الأسبوعية وهي الصحيفة الأدبية التي تغذى في أمثاله هوايتهم، ومن صفحات السياسة الأسبوعية أطل علينا إبراهيم عبد القادر المازني أستاذًا يتأثره الأدباء والمتأدبون.
ثم عاوده الحنين إلى صحيفة صديقه عبد القادر حمزة، فمضى إلى "البلاغ" يحرر فيها ستة عشر عامًا، ولم يتركها قط، واختط لنفسه خطة رائعة في معالجة المشاكل العربية والمصرية، واتجه في كتاباته اتجاهًا مستقلًا فرض على أصحاب البلاغ، وهم يمثلون حزب الوفد، أن ينحوه عن التحرير فيها، وجاءت تنحيته تنفيذًا لقرار حزبي لا حيلة لهم فيه.
ومع أنه كان يكتب في البلاغ، وفاء لصاحبه، وحفظًا لذكراه، فأنه ساهم في تحرير جريدة "الأساس" في كثير من المقالات الموضوعية التي شغلت بال الرأي العام، وكانت كتاباته جميعًا كتابات قومية لا دخل للحزبية فيها، وكذلك أمد جريدة الإخوان المسلمين بقلمه السيال، وبقي يحرر في كثير من نواحي تحريرها فصولًا ممتعة في المسائل العربية والإسلامية التي كانت تشغل بال العالم العربي، ثم اعتذر عن المضي في عمله في جريدة الإخوان