حتى لا يفوت بونابرت فضل غزو الحياة المصرية بدراسة تاريخها وآثارها وأمراضها وإنتاجها كما كان يرجو غزو مصر وتثبيت العلم الفرنسي فيها، وقد نجد في الأولى وأخفق في الثانية.
ولم يحاول بونابرت إنشاء صحيفة عربية في الوقت الذي أنشأ فيه الصحيفتين الفرنجيتين، وهي أجدى عليه وعلى صحبه من جند ومدنيين وعلى فرنسا نفسها في توجيه المصريين وتعميم الحضارة الجديدة التي حملها معه إلى وادي النيل، وهو يكاد يؤمن بهذه الفكرة، فكرة الصحيفة العربية فقد جعل من المطابع العربية إحدى الوسائل التي تصله بالمصريين بما كان يذيعه من منشورات على الجماهير المصرية تلصق "في مفارق الطرق ورءوس العطف وأبواب المساجد"1.
ولم تساعده المطبعة العربية في الاتصال بالمصريين وحدهم، بل كثيرًا ما طبع لأمراء الحج وزعماء العرب وغيرهم في الشرق الأدنى المنشورات والكتب ليكفوا عن قتاله ويصلوه بالود والمعروف2 وقد كان يستطيع أن يستغنى عن هذا كله بصحيفة ينشرها في مصر فيقرؤها المصريون ويوزعها في البلاد الشرقية ويضمن بها داعية لا ينكر أثره، وأكبر الظن أن ظروفه الحربية وافتقاده المعاونين من المصريين، حال كل ذلك دون تحقيق هذه الفكرة الجميلة، فلما توالى الجنرال منو مكانه، وكان قد أشهر إسلامه وأذاعه بين المصريين خيل إليه أن أمور مصر قد استقرت له، وأن عليه أن يقارب بين أفكار المصريين والفرنسيين، وقد رأى دعاة السوء يحاولون إفساد ما يعمل له من تمكين الصلة بين الشعبين، فاستوضح من صديقه دجنت " عز وجلesgenettes" كبير أطباء الحملة أمر الاضطراب الذي يسود العلاقات المصرية الفرنسية جماعة من الفرنسيين المستشرقين وبعض العلماء المصريين، وتوظف هذه الجريدة في تنوير عقول العامة الذين يعدون الإصلاح الفرنسي في مصر